مكان المعركة :
أُحُد : جبل يبعد عن المدينة المنوَّرة ميلين أو ثلاثة بجهة مكّة المكرّمة ، حصلت فيه المعركة .
تاريخ المعركة :
15 شوال 3 هـ ، وقيل : 17 شوال .
الهدف من المعركة :
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كان سبب غزوة أُحد أن قريشاً لمّا رجعت من بدر إلى مكّة ، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ، لأنّه قتل منهم سبعون ، وأسر سبعون .
قال أبو سفيان : يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم ، فإنّ الدمعة إذا خرجت أذهبت بالحزن والعداوة لمحمّد ، فلمّا غزوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم أُحد ، أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح ، وخرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس ، وألفي راجل ، واخرجوا معهم النساء ، فلمّا بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذلك جمع أصحابه ، وحثّهم على الجهاد ... ) (2) .
العدّة والعدد :
خرجت قريش بثلاثة آلاف رجل ، يقودهم أبو سفيان بن حرب ، معهم مائتا فرس قد جنبوها ، وثلاثة آلاف بعير ، وفيهم سبعمائة دارع ، والظعن خمس عشرة امرأة ، وخرجوا بعدة وسلاح كثير .
وخرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ألف مقاتل من المسلمين ، وفي الطريق انعزل عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من أهل النفاق ، وهم ثلثمائة رجل ، فبقي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سبعمائة مقاتل ، فيهم مائة دارع ، ومعهم فرسان ، فرس لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وفرس لأبي بردة بن نبار .
الجيش الإسلامي :
عبَّأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه ، وسَوَّى الصفوف ، وعقد ثلاثة ألوية لواء المهاجرين بيد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولواء الأوس بيد اسيد بن حضير ، ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر ، وقيل بيد سعد بن عبادة .
ثمّ وضع ( صلى الله عليه وآله ) خمسين رجلاً من الرماة ، بقيادة عبد الله بن جبير خلف الجيش على حافت الجبل ، وأوصاهم بالثبات وعدم ترك أماكنهم ، وأكَّد على ذلك ، حتّى روي أنّه ( صلى الله عليه وآله ) أوصاهم بأن يلزموا مراكزهم ولا يتركوها ، حتّى في حالة النصر أو الهزيمة .
بدأ المعركة :
نشبت الحرب بين الجانبين ، فصاح طلحة بن أبي طلحة العبدري ، وهو صاحب لواء المشركين : يا محمّد تزعمون أنّكم تجهزوننا باسيافكم إلى النار ، ونجهزكم باسيافنا إلى الجنة ، فمن شاء أن يلحق بجنّته فليبرز إليّ ؟
فبرز إليه الإمام علي ( عليه السلام ) ، فبدره بضربة على رأسه فقتله ، ثمّ تقدَّم بلواء المشركين أخوه والنساء خلفه ، يحرِّضن ويضربن بالدفوف ، فتقدَّم نحوه حمزة ـ عمّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ وضربه ضربة واحدة ، وصلت إلى رئته ، فمات .
وفي إرشاد الشيخ المفيد : كان أصحاب اللواء يوم أُحد تسعة ، قتلهم الإمام علي ( عليه السلام ) عن آخرهم (3) .
وفي تاريخ الطبري : لمّا قُتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين ، وانتقضت صفوفهم ، ونساؤهم يَدعين بالوَيل بعد الفرح وضرب الدفوف .
انهزام جيش العدو :
قال الواقدي : لمّا انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا ، حتّى أخرجوهم من المعسكر ، وانشغلوا بجمع الغنائم .
فلما رآهم الرماة الذين أوصاهم الرسول بعدم ترك أماكنهم قال بعضهم لبعضٍ : لمَ تقيمون هنا في غير شيء ، لقد هزم الله العدو ، وهؤلاء إخوانكم مشغولون بجمع الغنائم ، فاذهبوا واغنموا معهم .
فقال بعضهم : ألم تعلموا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لكم : ( احمُوا ظُهُورَنا ، وإنْ غَنِمْنا فلا تشرِكُونا ) ، فقال الآخرون : لم يرد رسول الله هذا .
هجوم خالد بن الوليد على الجيش الإسلامي :
ذهب الرماة الذين أوصاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعدم ترك أماكنهم إلى معسكر المشركين يجمعون الغنائم ، وتركوا أماكنهم على الجبل ، ولمّا نظر خالد بن الوليد إلى خلاء أماكنهم كرَّ بالخيل إلى موضع الرماة ، وحمل عليهم ، فانهزم الناس وفروا .
وسط المعركة :
عندما وجد المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم ، وكرُّوا على المسلمين من أمامهم ، وهم مشغولون بجمع الغنائم ، فأصبح المسلمون وسط الحلقة ، وانتقضت سيوفهم ، وأخذ يضرب بعضهم بعضاً من العجلة والدهشة !!
فتفرَّق أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنه ، وأخذ المشركون يحملون عليه يريدون قتله ، وعن زيد بن وهب قال : قلت لابن مسعود ، انهزم الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتّى لم يبق معه إلاّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأبو دجانة ، وسهل بن حنيف ؟
فقال : انهزم الناس إلاّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وحده ، وثاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نفر ، وكان أوّلهم عاصم بن ثابت ، وأبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، ولحقهم طلحة بن عبيد الله ، فقلت له : وأين كان أبو بكر وعمر ؟ قال : كانا ممّن تنحّى ، قال : قلت : وأين عثمان ؟ قال : جاء بعد ثلاثة من الوقعة ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لقد ذهبت فيها عريضة ) (4) ؟ .
وقال ابن الأثير : قاتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم أحد قتالاً شديداً ، فرمى بالنبل حتّى انتهى ، وانكسر قوسه ، وانقطع وتره (5) .
وفي رواية الشيخ المفيد : كُسِر أنفُه ورباعيته السُفلى ، وسال الدم على وجهه الكريم .
وعن أبي سعيد الخدري قال : لمّا كان يوم أحد شجّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) في وجهه ، وكسرت رباعيته ، فقام ( عليه السلام ) رافعاً يديه يقول : ( إنّ الله اشتدّ غضبه على اليهود أن قالوا : عُزير بن الله ، واشتدّ غضبه على النصارى أن قالوا : المسيح بن الله ، وإنّ الله اشتدّ غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي ) (6) .
منقبة للإمام علي ( عليه السلام ) :
قال أبو رافع : لمّا كان يوم أحد نظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى نفر من قريش ، فقال لعلي : ( احمل عليهم ) ، فحمل عليهم ، فقتل هاشم بن أُمية المخزومي ، وفرّق جماعتهم ، ثمّ نظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى جماعة من قريش ، فقال لعلي : ( احمل عليهم ) ، فحمل عليهم ، ففرّق جماعتهم ، وقتل فلاناً الجمحي ، ثمّ نظر إلى نفر من قريش ، فقال لعلي : ( احمل عليهم ) ، فحمل عليهم ، ففرّق جماعتهم ، وقتل أحد بني عامر بن لؤي ، فقال له جبرائيل ( عليه السلام ) : ( إنّ هذه المؤاساة ) ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنّه منّي وأنا منه ) ، فقال له جبرائيل : ( وأنا منكم يا رسول الله ) (7) .
شهادة حمزة ( رضوان الله عليه ) :
كانت هند بنت عتبة ـ زوجة أبي سفيان ـ ، قد أعطت وحشياً عهداً لئن قتلت محمّداً ، أو علياً ، أو حمزة لأعطينك كذا وكذا .
فقال وحشي : أمّا محمّد فلم أقدر عليه ، وأمّا علي فرأيته حذراً كثير الالتفات ، فلا مطمع فيه ، فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس بسيفه ، ما يلقي أحداً يمرُّ به إلاّ قتله ، فهززت حربتي فرميتُه ، فوقعت في أربيته ـ أصل الفخذ ـ ، حتّى خرجت من بين رجليه فوقع ، فأمهلته حتّى مات ، وأخذت حربتي وانهزمت من المعسكر .
وروي أنّ هند وقعت على القتلى ، ولمّا وصلت إلى حمزة بقرت كبده فلاكته ، فلم تستطع أن تَسيغه فلفِظَتْه ، ثمّ قطعت أنفه وأذنيه ، وجعلت ذلك كالسوار في يديها ، وقلائِد في عنقها حتّى قدمت مكّة .
وبعد انتهاء المعركة ، أبصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمّه حمزة وقد مثّل به ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما وقفت موقفاً قط أغيظ إليّ من هذا ) ، ثمّ وضعه إلى القبلة ، وصلّى عليه وبكى .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( يَا عَمّ رسول الله ، وأسد الله ، يا حمزة ، يا فاعِلَ الخيرات ، يا حمزة ، يا كاشف الكربات ، يا حمزة ، يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله ) .
قال الطبري : ومرّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بدار من دور الأنصار ... فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول الله فبكى ، ثم قال : ( لكن حمزة لا بواكي له ) ، فلمّا رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دور بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ، ثمّ يذهبن فيبكين على عم رسول الله (8) .
بعد المعركة :
بعد انصراف جيش المشركين بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الإمام علياً ( عليه السلام ) وقال له : ( أُخرُجْ في آثَار القَوم ، فإن كَانُوا قد اجتنبوا الخَيل ، وامتطوا الإبل فإنَّهم يريدون مكّة ، وإن ركبوا الخيل وسَاقوا الإبل ، فهم يُريدون المَدينة ، فوَ الله لَئِن أرادوها لأسِيرَنَّ إليهم فيها ، ثم لأُنَاجِزَنَّهم ) .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فخرَجْتُ في آثارهم ، فرأيتهم امتطوا الإبل واجتنبوا الخيل ) .
شهداء المسلمين :
لقد سقط سبعون شهيداً في المعركة ، نذكر منهم ما يلي :
1ـ حمزة بن عبد المطلب ، 2ـ عبد الله بن جحش ، 3ـ مصعب بن عمير ، 4ـ شماس بن عثمان ، وهؤلاء الأربعة هم الشهداء من المهاجرين .
5ـ عمرو بن معاذ بن النعمان ، 6ـ الحارث بن أنس بن رافع ، 7ـ عمارة بن زياد بن السكن ، 8ـ سلمة بن ثابت بن وقش ، 9ـ عمرو بن ثابت بن وقش ، 10ـ ثابت بن وقش .
11ـ حنظلة بن أبي عامر ـ وهو غسيل الملائكة ـ 12ـ عبد الله بن جبير بن النعمان ـ وهو أمير الرماة ـ 13ـ أوس بن ثابت بن المنذر أخو حسّان بن ثابت 14ـ أنس بن النضر ـ عم أنس بن مالك خادم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ 15ـ سهل بن قيس بن أبي كعب .
الرجوع إلى المدينة :
بعد أن عاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه إلى المدينة ، استقبلته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، ومعها إناء فيه ماء ، فغسل وجهه ، ولحقه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد خضَّب الدم يده إلى كتفه ، ومعه سيفه ذو الفقار ، فناوله فاطمة وقال ( عليه السلام ) لها : ( خُذي هَذا السيف ، فقد صدَّقني ) .
وقال لَهَا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( خُذيهِ يا فَاطِمة ، فقَدْ أدَّى بَعلُك ما عليه ، وقد قتل اللهُ بِسيفِه صَنادِيد قُريش ) .
ـــــــــ