من المعلوم أن نابُلُس مدينة فلسطينية عربية كنعانية من أقدم مدن العالم، ونابلس بفتح النون وضم الباء الموحدة اللام والسين مهملة. ورد ذكرها في نصوص التوارة باسم شكيم: "ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان"(1)وتعني المنكب والمكان المرتفع، وهي تسمية أطلقها الكنعانيون عندما قاموا بتأسيسها وبنائها في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد".(2)
ومن تسمياتها نابُلُس: أي ناب الحية، كما ذكر "ياقوت الحموي" المتوفى سنة 626هـ/1228م : "كان في نابلس واد فيه حية عظيمة جداً، يسمونها لُس فاحتالوا عليها حتى قتلوها، وانتزعوا نابها وجاءوا بها فعلقوها على باب هذه المدينة، فقيل: هذا نابُ لُس" كما وردت باسم نابلس في التوراة السامرية "وقال إسرائيل ليونس، أليس اخوتك مرتعين بنابلس، فقال: لأرسلك إليهم،… وأرسله من مرج حبرون، فجاء نابلس"(3) ومن تسمياتها نيابولس بمعنى نابلس الجديدة، وهي تسمية رومانية، ومن تسمياتها سوفار بمعنى السكر(4). عرفت نابلس بجبل النار لقهرها الغزاة والمحتلين.
تحتل نابلس موقعاً متوسطاً بالنسبة لمدن فلسطين، وقد أكسبها ذلك شهرة وأهمية. وحظيت مدينة نابلس باهتمام الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين، الذين أَظهروا لنا جوانب مهمّة من حياة المدينة السياسية والدينيّة والفكريّة، وبينت مواقف أهلها ورجالها وعلمائها.
والمدينة لا زالت تفخر بتراثها وأمجادها ومواقف رجالها المتسمة بالمحافظة على القيم والتقاليد العربية والإسلامية وشدة بأسهم بالجهاد والمقاومة.
وبوصفها مدينة قديمة أيضاً فقد تعاقب على السكن على أرضها أقوام عربية عصراً بعد عصر. وبرز العديد من رجالها على مسرح الأحداث السياسية والدينية والثقافية والعلمية وكانوا مصابيح لامعة في سجل التاريخ العربي والإسلامي.
وقد أوردت التوراة أهمية مدينة نابلس الزراعية والدينية فاتخذها يعقوب عليه السلام مسكناً له ولأبنائه: "ومضى أخوتُهُ ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم، فقال إسرائيل ليوسف أليس أخوتك يرعون عند شكيم، تعال فأرسلك إليهم. فقال: له هاأنذا. فقال له اذهب انظر سلامة أخوتك وسلامة الغنم ورُدَّ لي خبراً، فأرسله من وَطاء حَبرُونَ فأتى إلى شكيم"(5).
كذلك فإن نابلس من الأرض التي باركها الله تعالى، حيث قال تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم"(6).
أما أول إشارة من المؤرخين العرب والمسلمين إلى مدينة نابلس فكانت من "البلاذري" صاحب كتاب "فتوح البلدان"، فقد أشار إلى فتحها من قبل القائد عمرو بن العاص عام 15هـ/636م فقال: "وقد فتح عمرو بن العاص كلا من سبسطية ونابلس بعد أن أعطى أهلها الأمان على أنفسهم وأموالهم ومنازلهم، وأن الجزية على رقابهم والخراج على أرضهم"(7).
أما الجغرافيون والرحالة العرب والمسلمون فقد كان "اليعقوبي" ( المتوفى سنة 278هـ/891م ) أول من أوردها في كتابه "البلدان" حيث ركز على موقعها الجغرافي الذي يقع بين جبلين مقدسين. وأشار إلى وجود مدينة محفورة في الصخر تحت المدينة، مما يؤكد قدمها وعراقتها.
ووصف أهلها بأنهم من العرب والسمرة. فقال: "نابلس مدينة قديمة فيها الجبلان المقدسان. وتحت المدينة مدينة منقورة في حجر وبها اختلاط من العرب والسامرة"(8)
أما الإصطخري (المتوفى سنة 340/ 951م ) وهو رحالة جغرافي، فقد أشار إلى ارتباط السامرة بنابلس، وكذلك كثرة مياهها الجارية، ذكر ذلك في كتابه: "المسالك والممالك"فقال: "نابلس مدينة السامرة يزعمون أن بيت المقدس هو نابلس وليس للسامرة مكان من الأرض إلا بها، وليس بفلسطين بلدة فيها ماء جار سواها، وباقي شرب أهلها من المطر، وزرعهم عليه"(9).
أما "ابن حوقل" ( المتوفى سنة 367هـ/978م ) فقد أورد بأن نابلس مدينة السامرية وذلك في كتابه "صورة الأرض"، وهو يكرر ما ذكره "الإصطخري"(10).
ويبدو أن البشاري المقدسي ( المتوفى سنة 387هـ/977م ) صاحب كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" وهو رحالة وجغرافي مشهور، فكان أول جغرافي ورحالة تحدث بشيء من التفصيل عن مدينة نابلس، ووصفها بأنها مدينة مضغوطة بين جبلين. ووصف شهرة المدينة التجارية، وكثرة أسواقها، وبنائها الحجري فقال: "نابلس في الجبال كثيرة الزيتون، يسمونها دمشق الصغرى، وهي في واد قد ضغطها جبلان، سوقها من الباب إلى الباب وآخر إلى نصف البلد، الجامع في وسطها، مبلطة نظيفة، لها نهر جار، بناؤهم حجارة، ولها دواميس(11) عجيبة(12).
ويمكن أن نستنتج من النص الذي قدمه البشاري المقدسي عن مدينة نابلس:
1. أطلق على نابلس دمشق الصغرى لكثرة التشابه بين أهالي دمشق ونابلس في العادات والتقاليد.
2. نابلس مدينة مضغوطة تقع بين جبلين. تشتهر بكثرة أشجار الزيتون فيها.
3. احتواء المدينة على أسواق طويلة وعامرة.
4. وصف لنا مسجدها الجامع، وركز على نظافة المدينة وانها مبلطة بالحجارة.
5. كشف لنا البشاري المقدسي من خلال النص مواد البناء المستخدمة في المدينة وكثرة أزقتها وشوارعها الضيقة المظلمة.
ويأتي السمعاني ( المتوفى سنة 562هـ/1167م )، الرّحالة والمحدث والمؤرخ المشهور إلى ذكر نابلس في مؤلفه: "الأنساب" فيورد أنها من أمهات بلاد فلسطين وحسانها، وأورد لنا ذكر العالم "أبو بكر بن سهل النابلسي" المعروف بـ"الشيخ الشهيد"(13)، وأورد لنا أنه بات عنده ليلتين، وفي ذلك يقول: "نابلس: بلدة من بلاد فلسطين، بتُ فيها ليلتين في توجهي وسيري من بيت المقدس، استولى عليها الفرنج والسلطنة لهم. غير أن بها جماعة كثيرة من المسلمين وبها الجامع، ومسجد آخر للمسلمين(14). وهي من أمهات بلاد فلسطين وحسانها. والمنتسب إليها أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشيخ الشهيد"(15) .
ونستنتج من هذا النص ما يلي: