تقرير الأمين العام عن الأحداث التي وقعت مؤخرا في جنين والمدن الفلسطينية الأخرى1/8/2002 أذاعت الأمم المتحدة اليوم تقرير الامين العام عن الأحداث التي وقعت مؤخرا في جنين والمدن الفلسطينية الأخرى. وكانت الجمعية العامة قد طلبت هذا التقرير في أيار/مايو (القرار د إ ط – 10/10 المتخذ في 7 أيار/مايو 2002)، عقب حل الفريق الذي كان الأمين العام، مؤيدا من مجلس الأمن (القرار 1405 (2002) المؤرخ 19 نيسان/أبريل 2002)، قد اقترح إيفاده إلى جنين لإثبات الوقائع على الطبيعة.
وقد كُتب التقرير بالتالي بدون زيارة جنين أو المدن الفلسطينية الأخرى. وهو يعتمد، وفقا لما طلبته الجمعية العامة، على “الموارد والمعلومات المتاحة”، بما في ذلك البيانات المقدمة من ست من الدول الأعضاء وبعثات المراقبين لدى الأمم المتحدة، والوثائق المتاحة للكافة، والورقات المقدمة من بعض المنظمات غير الحكومية من منظورات متنوعة. وقد قدمت السلطة الفلسطينية معلومات بالفعل، في حين أن حكومة إسرائيل لم تفعل ذلك. وسعيا إلى عرض صورة وافية بأكبر قدر ممكن، استعملت في التقرير بعض المعلومات المتاحة للعموم من الحكومة الإسرائيلية.
ويغطي التقرير فترة تمتد من حوالي بداية شهر آذار/مارس إلى 7 أيار/مايو 2002. ويقدم التقرير بيانا لسياق الوضع وخلفيته في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة. وهو يعرض أيضا مسؤوليات كلا الطرفين المتعلقة بالأمن والشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان. ويقدم التقرير صورة موجزة لتطورات العنف المتصاعد منذ أيلول/سبتمبر 2000، الذي تسبب حتى 7 أيار/مايو 2002 في مصرع 441 إسرائيليا و 539 1 فلسطينيا.
وهذه هي الخلفية التي حدثت في إطارها أضخم عملية من عمليات التوغل العسكري الإسرائيلي على مدى عقد من الزمن، وهي عملية الدرع الواقي، التي كان سببها المباشر الهجوم الإرهابي الذي وقع في 27 آذار/مارس في نتانيا، وقتل فيه 28 شخصا وأصيب 140 بجروح. وقد بدأت العملية في 29 آذار/مارس بتوغل في رام الله، أعقبه الدخول إلى طولكرم وقلقيلية في 1 نيسان/أبريل، وبيت لحم في 2 نيسان/أبريل، وجنين ونابلس في 3 نيسان/أبريل. وبحلول ذلك اليوم، 3 نيسان/أبريل، كانت القوات المسلحة الإسرائيلية قد احتلت ستا من أكبر المدن في الضفة الغربية وما يحيط بهذه المدن من البلدات والقرى ومخيمات اللاجئين.
وأعلن جيش الدفاع الإسرائيلي انتهاء العملية رسميا في 21 نيسان/أبريل ولكن عواقبها ظلت قائمة إلى أبعد من ذلك بكثير. وقد حدث قسط كبير من القتال الذي جرى خلال هذه العملية في مناطق مكتظة بالسكان المدنيين – ويعزى هذا بقدر كبير إلى أن الجماعات الفلسطينية المسلحة التي كان يلاحقها جيش الدفاع الإسرائيلي خلال عمليات التوغل وضعت مقاتليها ومنشآتها وسط المدنيين – واستخدمت في كثير من الحالات الأسلحة الثقيلة. ونتيجة لذلك، قاسى سكان هذه المدن مشقات بالغة.
ويبرز التقرير بعضا من الجوانب الرئيسية للأحداث التي وقعت في جنين والمدن الفلسطينية الأخرى:
الهجمات الإرهابية من المدن الفلسطينية يصف التقرير شواغل حكومة إسرائيل من أن عددا من المدن قد اتخذ قواعد لجماعات فلسطينية مسلحة تزاول أعمالا إرهابية ضد إسرائيل. وعلى سبيل المثال، وجهت إسرائيل اتهاما مؤداه أنه في الفترة من تشرين الأول/أكتوبر 2000 إلى نيسان/أبريل 2002، تم تخطيط وشن ثمانية وعشرين هجوما انتحاريا من مخيم جنين. وبعد أن توغل جيش الدفاع الإسرائيلي في المخيم، أخذ يعلن عن المواد التي عُثر عليها هناك، وشمل ذلك وثائق ومخابئ للأسلحة ومعامل للمتفجرات.
سلوك المقاتلين الفلسطينيين خلال عمليات التوغل يذكر التقرير أن الجماعات الفلسطينية المسلحة يُدعى أنها استعملت على نطاق واسع أسلوب بث الفخاخ المتفجرة في منازل المدنيين – وهو عمل كانت تستهدف به أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكنه كان يعرض المدنيين أيضا للخطر. وينقل التقرير أيضا عن السلطة الفلسطينية اعترافها بأن عددا من المقاتلين الفلسطينيين قاوموا الاعتداء العسكري الإسرائيلي.
سلوك جيش الدفاع الإسرائيلي خلال عمليات التوغل
يشير التقرير إلى الادعاءات الصادرة عن السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان بأن جيش الدفاع الإسرائيلي زاول خلال عملياته أعمال القتل غير القانوني، واستعمال الدروع البشرية، واستخدام القوة على نحو غير متناسب، والاعتقال التعسفي والتعذيب، والحرمان من العلاج الطبي ومنع الوصول إلى الخدمات الطبية، وفيما يلي بعض الأمثلة والسرود الواردة في التقرير:
• خسائر الأرواح: قتل 497 فلسطينيا وجرح 447 1 خلال إعادة احتلال جيش الدفاع الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية في الفترة من 1 آذار/مارس لغاية 7 أيار/مايو 2002 والفترة التي أعقبتها مباشرة. وتقدر معظم الاحصاءات عن الفلسطينيين الذين قتلوا في نابلس بما يتراوح بين 70 و 80 شخصا، من بينهم حوالي 50 مدنيا. وفقد جيش الدفاع الإسرائيلي هناك أربعة من جنوده. وفي مخيم جنين، ولدى انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي ورفع حظر التجول في 18 نيسان/أبريل، كان اثنان وخمسون على الأقل من الفلسطينيين، نسبة المدنيين منهم قد تصل إلى النصف، وثلاثة وعشرون جنديا إسرائيليا قد لقوا مصرعهم. أما الادعاءات التي صدرت عن مسؤولي السلطة الفلسطينية في منتصف نيسان/أبريل بأن 500 شخص أو أكثر قد قتلوا في مخيم جنين، فلم تؤيدها الأدلة التي ظهرت فيما بعد.
• عمليات الاعتقال والاحتجاز بشكل تعسفي: بلغ عدد الفلسطينيين الذي زُعم اعتقالهم لغاية 6 أيار/مايو، في إطار عملية الدرع الواقي، 000 7 شخص، وقد احتجز كثير منهم لفترات طويلة دون السماح لهم، إلا فيما ندر، بالاتصال بذويهم. واتبع جيش الدفاع الإسرائيلي في حالات كثيرة نمطا واحدا تمثل في استخدام مكبرات الصوت لاستدعاء الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 45 عاما. وتفيد تقارير حقوق الإنسان، أن عددا كبيرا من الرجال المعتقلين قد عصبت أعينهم وكبّلت أيديهم ومنعوا من استخدام المراحيض وحرموا من الغذاء والبطانيات خلال اليوم الأول من احتجازهم.
• الدروع البشرية: أفادت تقارير عديدة أن جيش الدفاع الإسرائيلي أرغم المدنيين الفلسطينيين على مرافقة جنوده في أثناء قيامهم بتفتيش المنازل، أو تفحص الأشخاص المشتبه فيهم، وأرغمهم على الوقوف في مرمى النيران وفي أي مواضع أخرى من أجل حماية الجنود من الخطر. ويدعي شهود عيان أن هذا العمل قد جرى في مخيم جنين ومدن فلسطينية أخرى. وأنكرت حكومة إسرائيل لجوء أفرادها العسكريين بصورة منهجية إلى هذه الممارسة، لكنها أصدرت في 5 أيار/مايو “أمرا قطعيا . . . بأن يُحظر حظرا تاما على القوات في الميدان استخدام المدنيين “دروعا حيّة”.
• التدمير العشوائي وغير المتناسب: ألحقت عملية الدرع الواقي دمارا واسع النطاق بالممتلكات الفلسطينية العامة والخاصة على السواء. وتفيد التقارير أن جيش الدفاع الإسرائيلي استخدم البلدوزرات والقصف بنيران الدبابات والضرب بالصواريخ، أحيانا من طائرات الهليكوبتر، في المناطق المأهولة بالسكان. ويشير التقرير إلى أنه تم خلال الفترة التي يغطيها إلحاق أضرار بما يزيد على 800 2 وحدة سكنية للاجئين وهدم أو تدمير 878 منزلا، مما أسفر عن تشريد ما يزيد على 000 17 شخص أصبح بعضهم بلا مأوى والبعض الآخر بحاجة إلى إصلاح مساكنهم. وكانت الإصابة شديدة بصفة خاصة في نابلس من حيث مدى الدمار المادي، ولا سيما في أحياء المدينة القديمة التي تضم كثيرا من المباني ذات الأهمية الثقافية والدينية والتاريخية.
• تدمير الممتلكات المدنية العائدة للسلطة الفلسطينية: عندما سُمح لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الدولية بالدخول إلى رام الله والمدن الفلسطينية الأخرى، قامت بتوثيق الأضرار المادية الهائلة التي لحقت بالممتلكات المدنية العائدة للسلطة الفلسطينية. واشتملت الأضرار على تدمير معدات المكاتب، كأجهزة الحاسوب وآلات النسخ، التي لا يبدو أن لها أي صلة بالأغراض العسكرية. وبينما أنكر جيش الدفاع الإسرائيلي أن هذا التدمير اتخذ طابعا منهجيا، اعترف بقيام أفراده ببعض أعمال التخريب المتعمد للممتلكات وأشار إلى أنه يُجري بعض الملاحقات القضائية بهذا الشأن.
• تدابير حظر التجول والإغلاق: فُرض حظر التجول على مدار اليوم كله على المدن ومخيمات اللاجئين والبلدات والقرى شـ“ـمل ما يقترب من مليون شخص. وظل 000 220 من سكان المدن تحت أنظمة حظر التجول لمدة تزيد على أسبوع دون أي إمدادات حيوية ودون خدمات الإسعافات الأولية. ففي نابلس، على سبيل المثال، فرض جيش الدفاع الإسرائيلي حظر تجول في 3 نيسان/أبريل، ولم يرفعه كليا إلا في 22 نيسان/أبريل.
• منع وصول الإغاثة الإنسانية: يخلص التقرير إلى أن المدنيين الفلسطينيين قد عانوا خلال عمليات التوغل الإسرائيلي وفي أعقابها مباشرة من تأخيرات مديدة في حصول الجرحى والمرضى على الرعاية الطبية. وفي جنين، قدمت وكالات الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية، ولا سيما خلال الفترة من 11 إلى 15 نيسان/إبريل، التماسات إلى جيش الدفاع الإسرائيلي وتفاوضت معه بشأن السماح لها بدخول المخيمات، وقامت بعدة محاولات لإرسال قوافل إغاثة إليها، باءت جميعها بالفشل. ويتضمن كثير من تقارير تنظيمات حقوق الإنسان سردا لحالات ظل فيها المدنيون الجرحى قيد الانتظار لمدة أيام قبل الحصول على المساعدة الطبية مع رفض جنود جيش الدفاع الإسرائيلي تقديم المعالجة الطبية إليهم. وفي بعض الحالات، فارق عدد منهم الحياة من جراء تلك التأخيرات.
• حالات الاعتداء على سيارات الإسعاف: يستشهد التقرير بثلاث حوادث هاجمت فيها القوات الإسرائيلية سيارات الإسعاف. ففي 4 آذار/مارس (أي قبل عملية التوغل في جنين)، قتل رئيس دائرة الطوارئ الطبية التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني في جنين من جراء إصابته بقذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية بينما كان راكبا في سيارة إسعاف مميزة بكل وضوح. وفي 7 آذار/مارس أُطلقت النار على أحد العاملين في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وبينما كان في سيارة إسعاف تابعة للأونروا بالقرب من طولكرم في الضفة الغربية، فأردته قتيلا في الحال. وفي 8 نيسان/أبريل، أُطلقت النار على سيارة إسعاف تابعة للأونروا بينما كانت تحاول الوصول إلى جريح في جنين. وزعمت حكومة إسرائيل أن سيارات الإسعاف تلك كانت تستخدم في نقل الإرهابيين وأسلحتهم.
عدد القتلى من الإسرائيليين خلال الفترة من 1 آذار/مارس إلى 7 أيار/مايو وفقا لما تفيد به وزارة الخارجية الإسرائيلية، فقد جيش الدفاع الإسرائيلي ثلاثين من جنوده خلال عملية الدرع الواقي. وتعرضت إسرائيل أيضا لحوالي 16 عملية تفجير إرهابية، أغلبيته“ـ“ا الكبرى من الهجمات الانتحارية، وذلك في الفترة الممتدة بين بداية آذار/مارس و 7 أيار/مايو. وقُتل ما يزيد على مائة شخص وأُصيب عشرات من الأشخاص بجروح من جراء تلك الهجمات.
الأثر الكلي ما زال السكان المدنيون في الأراض الفلسطينية المحتلة يقاسون مشاق بالغة، تفاقم كثير منها منذ وقوع الأحداث التي يغطيها هذا التقرير. وتوقفت جميع الأنشطة الإنتاجية توقفا يكاد يكون كاملا في المراكز الرئيسية في الضفة الغربية في مجالات الصناعة التحويلية والبناء والتجارة وخدمات القطاعين الخاص والعام، الأمر الذي زاد من الانخفاض الحاد الذي حدث في مستويات المعيشة على مدى الثمانية عشر شهرا الماضية. ولا توجد لدى الأمم المتحدة ولاية تمكنها من رصد الأحوال في إسرائيل أو تقديم تقارير عنها، كما تفعل في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن ثم لا تتوافر لديها معلومات مفصلة عن الأثر الأوسع نطاقا على المجتمع وعلى الاقتصاد في إسرائيل، بيد أنه من الواضح أن الشعب الإسرائيلي قد عانى أيضا، خلال هذه الفترة، معاناة شديدة من الإرهاب، وأن الاقتصاد الإسرائيلي أصيب بأضرار كبيرة.
وفي الختام، يشدد التقرير على عدم إمكانية إعطاء تقرير واف وشامل عن الأحداث التي وقعت في جنين والمدن الفلسطينية الأخرى بدون التعاون الكامل من كلا الطرفين، وبدون القيام بزيارة إلى المنطقة. ومع ذلك، يعرب الأمين العام عن ثقته بأن “الصورة التي رسمها هذا التقرير تعبر بصورة منصفة عن واقع معقد”. وعن اقتناعه كذلك بأن الأحداث التي غطاها التقرير تظهر الحاجة الماسة إلى عودة الطرفين إلى عملية السلام.