أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " يقول : قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه ، وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله ، وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم ، أي مكتوب فيهما أمر الفتية و أمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم .
قال علي بن إبراهيم : فحدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران : النضر بن حارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل السهمي ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا : اسألوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ماعندنا فهو صادق ، ثم سلوه عن مسألة واحدة فإن ادعى علمها فهو كاذب ، قالوا : وما هذه المسائل ؟ قالوا : اسألوه عن فتية كانوا في الزمن الاول فخرجوا وغابوا وناموا كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا وكم كان عددهم ؟ وأي شئ كان معهم من غيرهم ؟ وماكان قصتهم ؟ واسألوه عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالم ويتعلم منه من هو ؟ وكيف تبعه ؟ وما كان قصته معه ؟ و اسألوه عن طائف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو ؟ وكيف كان قصته ؟ ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث المسائل ، وقالوا لهم : إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق ، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه ، قالوا :
فما المسألة الرابعة ؟ قالوا : اسألوه متى تقوم الساعة ؟ فإن ادعى علمها فهو كاذب ، فإن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى .
فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل ، فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق ، وإن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب ، فقال أبوطالب : سلوه عما بدا لكم ، فسألوه عن الثلاث المسائل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : غدا أخبركم ولم يستثن فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم النبي وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به ، وفرحت قريش واستهزؤوا وآذوا ، وحزن أبوطالب ، فلما أن كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل بسورة الكهف ، فقال رسول الله : ياجبرئيل لقد أبطأت ، فقال : إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله ، فأنزل : " أم حسبت " يا محمد " أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " ثم قص قصتهم ، فقال : " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا " .
فقال الصادق عليه السلام : إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات ، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الاصنام ، فمن لم يجبه قتله ، وكان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عزوجل ، ووكل الملك بباب المدينة حرسا ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد الاصنام ، وخرج هؤلاء بعلة الصيد ، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم ، وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم ، فقال الصادق عليه السلام : فلايدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة : حمار بلعم بن باعوراء ، و ذئب يوسف ، وكلب أصحاب الكهف .
فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك ، فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم ، فألقى الله عليهم النعاس كما قال تبارك وتعالى : " فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا " فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا ، فقال بعضهم لبعض : كم نمنا ههنا ؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا : نمنا يوما أو بعض يوم ، ثم قالوا لواحد منهم : خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكرا لايعرفوك فاشتر لنا طعاما ، فإنهم إن علموا بنا وعرفونا قتلونا أوردونا في دينهم ، فجاء ذلك الرجل فرأى المدينة بخلاف الذي عهدها ، ورأى قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم ، فقالوا له : من أنت ؟ ومن أين جئت ؟ فأخبرهم ، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف ، وأقبلوا يتطلعون فيه ، فقال بعضهم : هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم ، وقال بعضهم : هم خمسة وسادسهم كلبهم ، وقال بعضهم : هم سبعة وثامنهم كلبهم ، و حجبهم الله بحجاب من الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم ، وإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم ، فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل ، وأنهم آية للناس ، فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ، ثم قال الملك : ينبغي أن نبني ههنا مسجدا و نزوره فإن هؤلاء قوم مؤمنون ، فلهم في كل سنة نقلتين ينامون ستة أشهر على جنوبهم اليمنى ، وستة أشهر على جنوبهم اليسرى والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف .(1)
----------
(1) البحار ج14 ص422