ويصف الشيخ أبو أكرم شخصية القائد الشهيد ويقول: كان الرجل الذي تجمع عليه فرسان الحركة وأبناؤها وإذا ما قال الشيخ كلمة فإن الجميع يبادر إلى تطبيقها ، وذلك لثقة أبناء الحركة الإسلامية في صدق وإخلاص الشيخ، ولقد عرفنا معاني العزة والكرامة منه، وفي اعتقادنا فانه كان يتحدث بعزة الله وبقوة الله وبنصر الله ، ولذلك كان لا يخاف الموت.
ومن مواقف العزة التي اعزه الله بها موقفه من عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية تلك المخابرات التي كانت تطارده في حياته الأولى أيام جمال عبد الناصر، وذلك عندما قال له في مكالمة هاتفية يا سيدي الشيخ أتمنى عليك أن توقف الإشكالية وتوقف إطلاق النار، فقال له الشيخ لا أستطيع أن أعطيك قرارا وسأعرض الأمر على مؤسسات الحركة وحقيقة كان يستطيع أن يقول كلمة، ولكنه أراد أن يعلمنا الشورى الحقيقية.
ويشير أبو أكرم أنه قابل الشيخ قبل أسبوع من استشهاده وكان يتحدث عن المضي في الطريق ويبث في المتواجدين معه روح الأمل والنصر بأنه قادم إن شاء الله.
**آثار الصحبة
وعن الآثار التي تركتها رفقته للشيخ يقول بحر: لقد كان سببا في إعطائي دفعة في الخطابة والدعوة إلى الله في المساجد، وتعلمنا منه التفاني والتضحية، وألا نكل أو نمل في دعوتنا إلى الله سبحانه وتعالى وأعطانا قوة العزيمة والصبر والأمل في النصر، وعلمنا الشجاعة والجرأة وألا نخاف الموت، وتوج هذا أيضا بتقوى الله والقرب من الله كما كان يحثنا على صلاة الفجر في جماعة، كما كانت آخر عباراته التي سمعتها هي ترديده للآية الكريمة ،
"وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين"
آل عمران – 46 .
وعن اللحظات التي تلقى فيها نبأ استشهاد الشيخ قال بحر: لقد كانت لحظات صعبة جدا علينا، عندما سمعت النبأ في البيت فأنا وزوجتي وأبنائي بكينا بكاء شديدا وفي أثناء البكاء كانت في قلوبنا فرحة بأن ما تمناه الشيخ ناله، وهذا ما يشعر الإنسان بصدق هذا الرجل وبعمق إيمانه وبثقته بالله، فهو أولا حقق أمنية كان يتمناها ونحن نغبطه على هذه الشهادة خاصة انه كان مريضا وعرض عليه الأطباء أن يبيت في المستشفى فرفض ليلقى الله سبحانه وتعالى وكان قد أدى قيام الليل وصلى الفجر فكان من العبادة إلى الشهادة، فالشيخ في حياته أحيا امة وفي مماته أحيا امة أيضا.
**خسارة كبيرة
وعن الفراغ الذي تركه الشيخ يقول بحر : لا شك انه خسارة كبيرة ليس لحركة حماس فقط بل للشعب الفلسطيني ولكن حقيقة عزاؤنا انه تمنى الشهادة فأعطاه الله إياها ، ولا شك أن شارون وحكومته المجرمة عندما أقدمت على اغتيال الشيخ إنما أرادت أن تضرب هذه الحركة وتفتت من عضدها وتخلخل صفوفها لأنهم يعتبرونه المدير للعمل السياسي والعسكري والدعوي ولكن ظن هؤلاء خاب وسيخيب فالتفاف الحركة ومبايعة د. الرنتيسي كان صفعة للكيان المسخ وكان الزلزال الأول بوحدة الحركة.
الشيخ عاهد عساف من قلقيلية يروي رحلته مع الشيخ الشهيد أحمد ياسين في سجن "كفار يونا"
قلقيلية - خاص
تنشر" في مقابلة خاصة ومميزة مع مرافق الشيخ في سجنه عاهد عساف 33 عاما من قرية كفر لاقف 15 كم شرق قلقيلية والذي رافق الشيخ مدة تزيد عن النصف عام في سجن "كفار يونا" الصهيوني والذي يطلق عليه سجن "بيت ليد".
الشيخ عاهد عساف وهو إمام مسجد قريته لم يكن بحاجة إلى أن يتذكر تفاصيل تجربته مع الشيخ أحمد ياسين رغم أن التجربة يعود عهدها إلى عام 95 فهي منقوشة في ذاكرته وظلت محفوظة لأنها كانت مع رجل عاش لأمته وشعبه رغم أعاقته .
الشيخ عاهد وبلهفة أراد أن يعبر عن شعوره عن اغتيال الشيخ الشهيد بادر قائلا :" عندما كنت أسمع عن الشيخ أحمد ياسين في وسائل الإعلام لم أكن اعلم أن هذا الشخص بهذه العقلية والقيادة بل كنت أظنه رمزا وعنوانا وضعته "حماس" فقط لا غير إلا أنه كان قياديا بالفطرة والخبرة بكل ما يعني ذلك ويستحق هذه المكانة بلا منازع, فهو ملم بكافة الأمور السياسية والاقتصادية والدينية والصناعية والتجارية حتى في الطب ولديه زخم فكري لا يوصف ، وكل من عرف الشيخ عن قرب يؤكد صحة هذه المقولة."
يضيف الشيخ عاهد : "عندما كنت في الأسر لمدة ثلاث سنوات عرض علينا من قبل الأسرى مرافقة الشيخ أحمد ياسين في زنزانته فكنت أول من بادر إلى هذا العمل بالرغم من التعب والإرهاق الذي يرافق هذه المهمة فأنت تتعامل مع شخص مشلول بشكل كامل فهو يحتاج إلى كل شيء منك ، ولم يقتصر الأمر على موافقتي بل صممت على هذا الأمر".
لحظة ..اللقاء ..
وعن لحظة اللقاء الأولى مع الشيخ الشهيد يقول الشيخ عاهد : "نقلت من سجن نابلس المركزي في بداية شهر أيار/ مايو من عام 1995م إلى سجن كفار يونا حيث الشيخ الشهيد وعندما وصلنا السجن أنا وشخص آخر كي نكون مرافقين للشيخ كنا منهكين وإذا بالشيخ كعادته كان في الفورة يقرأ في إحدى أمهات الكتب ,صافحته بحرارة وعرفنا أنفسنا إليه لأنه لا يعرفنا ولتواضع الشيخ عرف نفسه قائلا :" أخوكم في الله أحمد ياسين مع علمه المسبق إننا نعرفه وجئنا من أجله إلا أنه يتواضع مع كل من يلتقي معه."
دخلنا زنزانة الشيخ يقول الشيخ عاهد "هي عبارة عن غرفة صغيرة فيها ثلاثة أبراش وحمام صغير ، وبعد أن أدينا صلاة الظهر من يوم اللقاء بدأت أشعر بسعادة كبيرة وأنا أقدم المساعدة له وكان عندما يطلب منا أي طلب يبادر بكلمة إذا سمحت وعند الانتهاء (شكرا) يقول عاهد: "قلت له ياشيخ لماذا دائما تقول لنا إذا سمحت و (شكرا) نحن جئنا لخدمتك فأنت لك أفضال على الأمة جمعاء, فرد علينا الشيخ قائلا :" من لا يشكر الناس لا يشكر الله وذلك استنادا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
طرح ..الأسئلة..
كنت أنا وزميلي أطرح على الشيخ عدة أسئلة وكنا نتحرج من طرحها كون الشيخ أحمد ياسين مريضا والكلام يتعبه إلا أنه كان لا يتردد بالإجابة الشافية والكافية, وكانت الأسئلة تنصب على الخبرة الدعوية وجذب الناس إلى الدين وطريقة حل مشاكلهم وكان يكثر من قول الله تعالى (إن إبراهيم كان أمة) في دلالة منه أن الشاب المسلم والداعية يستطيع أن يؤثر في محيطة كونه على الحق المبين ، وكان يحدثنا كيف أن بيته المتواضع كان مزارا للقاضي والداني وكان الناس يطرقون باب منزله لحل مشاكلهم حتى أنهم كانوا يأتون بالرجل السارق ويقيدونه أمام منزل الشيخ ليحكم عليه الشيخ أو يطلق سراحه.
مرحلة .."حماس" ..
وعن مرحلة تشكيل "حماس" قال الشيخ الشهيد لنا ونحن داخل الزنزانة : بعد حادث جباليا والذي استشهد فيه سبعة من العمال قررنا في اجتماع ضم عددا من الدعاة الخروج بمظاهرات في كافة أنحاء مدن ومخيمات غزة وان لا تقتصر المظاهرات في جباليا فقط حتى نضعف قوة العدو وبالفعل تم توزيع بيان في 9/12/1987م ولم يكن هذا البيان يحمل أي رقم سوى توقيع حركة المقاومة الإسلامية ودون اختصار هذا الاسم إلى "حماس".
وفي 14/12/1987م يقول الشيخ الشهيد اجتمعت الهيئة التأسيسية للحركة بشكل موسع وتم صياغة بيان يعلن ميلاد "حماس" بهذا الاسم وحمل البيان رقم واحد.
وأضاف الشيخ عاهد عساف "كان الشيخ يتمتع بذاكرة حديدية بحيث إنه يتطرق إلى أدق التفاصيل دون نسيان وكان الشيخ يتقن اللغة الإنكليزية بشكل ممتاز."
وعن صفات إضافية للشيخ الشهيد يقول الشيخ عاهد عساف : "امتاز الشيخ الشهيد بالإتقان في كل شيء حتى إنه كان يعلمنا كيف ينظف أسنانه من خلال إرشادنا باستخدام السواك في المقطع العلوي من أسفل إلى أعلى ثم الانتقال إلى المقطع السفلي ثم المرحلة الثالثة إلى المقاطع الداخلية التي لها طريقة مختلفة حتى إننا كنا نستغرق في تنظيف أسنانه أكثر من عشرين دقيقة كما انه كان يقص أظافرة بشكل دقيق يتوافق مع السنة النبوية من الإبهام الأيمن وبعدها بقية الأصابع وقضية تنظيف وتنشيف الماء بالقرب من أذنيه وأصابعه خوفا من الجراثيم".
ويضيف الشيخ عاهد : "لولا أن الشيخ كان حريصا ودقيقا لما كانت صحته هكذا فهو يحب الإتقان حتى عند تناول الطعام يمضغه بشكل بطيء جدا" .
مواقف ..للشيخ الشهيد..
يضع الشيخ عاهد عساف يده على رأسه مستذكرا مواقف للشيخ الشهيد قائلا:
"للشيخ المجاهد مواقف عزة وكرامة وإباء، منها عندما حضر احد ضباط الموساد إليه وقال له إن كتائب القسام تطالب بإطلاق سراحك في بيان نشر من بيروت مقابل الكشف عن جثة الجندي ايلان سعدون, فرد عليه الشيخ بعزة وكرامة: أنا لا اقبل على نفسي أن يفرج عني مقابل جثة،صعق الضابط الصهيوني من جواب الشيخ وقال له أنت تعرف مكان الجثة , وخلال حديث ضابط الموساد مع الشيخ المجاهد يقول عاهد التفت إلى هذا الضابط وقال لي : "أنت سيفرج عنك قريبا فماذا أوصاك الشيخ "فقلت له:" أوصاني بالتمسك بديني ودعوتي وصلاتي ومساعدة الآخرين وكان جوابي له بالعبرية , وعلى الفور التفت إلى الشيخ قائلا له : "ماذا أوصيت مرافقك, فرد عليه الشيخ بنفس الكلمات مع انه لم يعلم ما جرى بيني وبين الضابط وقتها غادر الضابط زنزانة الشيخ بلا رجعة مذهولا"!
ويضيف الشيخ عساف: "جاء مدير سجن (كفار يونا) ذات مرة يطلب ود الشيخ في جلسة حوار وكان رد الشيخ :ليس لدي وقت أضيعه معك، احمر وجه المدير الصهيوني أمام ضباطه ورجع يجر أذيال الخيبة والفشل .وعن مواقفة المشرفة يقول عاهد في عام 95 عندما كان الحديث يدور حول توقيع وثيقة بين" حماس "و "فتح" رفض التوقيع على الوثيقة عندما طلب منه وفدا من السلطة زاره داخل السجن وقال لهم" يوقع قادة الحركة أولا وبعدها أنا وذلك لأنه لا يتفرد في القرارات رغم عظم مكانته وقوة تأثيره على الآخرين فهو يعتمد الشورى كأساس في التعامل مع الجميع دون إستثناء.
الشيخ ..وروح الدعابة..
وعن روح الدعابة عند الشيخ يقول الشيخ عاهد :" يمتلك الشيخ قدرة على الدعابة الفورية الخالية من التكلف فمثلا عندما تعرفت عليه قال لي : "أين تسكن ،فقلت له :" في قرية كفر لاقف فقال لي على الفور : "آه ساكن في قرية كفر زاقط" ، "فقلت له كفر لاقف فكرر كفر زاقط" وابتسم.
كذلك كان يرفض أن يأكل قبلنا رفضا باتا وكان يقول:" أنا لقمة وأنت لقمة يا عاهد ،وكان أيضا يقاسمنا حصته من الطعام التي كانت تأتيه من المطبخ لأنه مريض وكان يصر على آن نتقاسم الفواكه واللحمة وغيرها من المأكولات" .
ياسين..الإنسان..
كان الشيخ يعاملنا كاب حنون وصديق وفيّ وقائد مخلص ومعلم فذ يقول الشيخ عاهد"كنا نتسابق في توفير الحماية له حتى إننا لا نقوم بتقديم الطعام له إلا بعد أن نتذوقه ونأكل جزءا منه وبعد ساعة أو أكثر نقدمه للشيخ الشهيد, وكان الشيخ ياسين لا يبخل على مرافقيه بالعلم والعطاء وكان دوما يسألنا عن أوضاعنا وظروف أهلنا وهل ينقصهم شيء آو تواجههم مشاكل رغم عظم مشاغله فهو زعيم حركة وبرنامجه اليومي مليء بالزيارات, و كان يأتي باستمرار أعضاء كنيست وضباط صهاينة وغيرهم إضافة إلى برنامجه اليومي وكل هذا كان لا يثنيه عن السؤال والاطمئنان عنا حتى انه في أحدى زيارات الأهل يقول عاهد: الشيخ اعتذر عن زيارة مهمة لكي يقابل أهلي والتعرف عليهم.
وكان يوم الشيخ بدايته قيام ليل ثم تسبيح قبل الفجر وبعد الصلاة ورده اليومي من المأثورات وبعدها يأخذ قسطا من النوم وقراءة القران وبعد الظهر قراءة المجلات والصحف وبعد العصر قراءة أمهات الكتب لمدة ساعتين وبعد المغرب مشاهدة البرامج الإخبارية والتحاليل السياسية , وعن توقعاته نحو المستقبل في وقتها قال الشيخ عساف : وقتها كان يقول لنا إن "حماس" ستواجه صعوبات جمة لأنها ستعمل على الموافقة بين نقيضين الأول حقن الدم الفلسطيني والثاني الاستمرار في المقاومة وضرب الاحتلال ،حيث أن الاستمرار في المقاومة يدفع السلطة إلى منعنا من ذلك ، وبعد عام فقط تحققت تصورات الشيخ ياسين حيث لجأت السلطة إلى اعتقال أفراد الحركة في خطوة شملت الضفة الغربية والقطاع إلا أن الحركة حافظت على حقن الدماء ومنع الاقتتال الداخلي وتجاوزت المحنة بسلام.
لحظة ..الفراق..
بعد اقتراب لحظة الفراق مع الشيخ الشهيد أحمد ياسين في اليوم 31 / 10 /1995 , وهو يوم الإفراج عني, ويقول الشيخ عساف : "شعرت باني سأفقد أبا ومعلما وصديقا وقائدا عظيما ،وقلت للشيخ وقتها أريد منك رسالة وصورة تبقى محطة تواصل وجداني معك فسارع بإعطائي صورة لنجله عبد الغني وطلب مني أن اكتب خلفها "هذا الرسم النبيل لولدي عبد الغني أحمد ياسين رمز تذكاري لولدي، عاهد عساف ليكون ذكرى تاريخية في الفترة التي عشناها سويا في سجن (كفار يونا) ثم سجن( هشارون ) تلك الفترة التي عرفنا فيها بعضنا وكنت فيها نعم الولد والأخ والصاحب فجزاكم الله عنا خير الجزاء وسهل الله لكم الطريق إليه في الدنيا والآخرة ولا يعني في لحظة الفراق إلا أن اشد على أياديكم وأقول مودعا" استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك وأسال الله سبحانه أن يجمعنا وإياكم في مستقر رحمته انه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والدكم أحمد ياسين".
وفي صباح يوم الإفراج ودعت الشيخ وداع الأحبة وكانت الدموع هي لغة الحوار بيننا وعند استشهاده كانت كلماته ورسالته هي كل ما املك في حياتي كلها ، رحم الله الشيخ عاش عظيما ومات عظيما.