قال الله تعالى: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون **** وبالأسحار هم يستغفرون}().
وقال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً وممّا رزقناهم ينفقون}().
وقال سبحانه: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}
وقال: {والذين يبيتون لربهم سجّداً وقياماً}().وقال صلى الله عليه وآله: إذا جمع الله الأولين والآخرين نادى مناد: ليقم الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، فيقومون وهم قليل، فيحاسب الله الناس من بعدهم.
[() وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال: انّ في جنّة عدن شجرة تخرج منها خيل بلق مسرّجة بالياقوت والزبرجد، ذوات أجنحة لا تروث ولا تبول، يركبها أولياء الله، فتطير بهم في الجنّة حيث شاؤوا.
قال: فيناديهم أهل الجنّة: يا اخواننا ما أنصفتمونا، ثم يقولون: ربنا بماذا أنال عبادك منك هذه الكرامة الجليلة دوننا؟ فيناديهم ملك من بطان العرش: انّهم كانوا يقومون الليل وكنتم تنامون، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون، وكانوا يتصدّقون بمالهم لوجه الله تعالى وأنتم تبخلون(، وكانوا يذكرون الله كثيراً لا يفترون، وكانوا يبكون من خشية ربهم وهم مشفقون(). واعلم يا أخي انّ الليل والنهار لا يفتران من سيرهما، وانّما يسيران بنقص عمر ابن آدم وهما ساعات ولحظات، فإذا لهوت مع سرعة سيرهما لحظة، واشتغلت عن الصلاة والذكر لحظة اُخرى، ذهبت ساعات النهار كلها في غفلة، ثم جاء الليل فان نمته كلّه كنت ممن لا خير فيه ليلاً ولا نهاراً، ومن كان هذا حاله فموته خير له من حياته، لانّه قد مات قلبه ولا خير في حياة جسد() قد مات قلبه.
ولله درّ القائل:
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم وكيف يلذّ النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لحرقك) مدامع عينيك الدموع السواجم
نهارك يا مغرور لهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم @@@@
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان غده شراً فهو ملعون، ومن لم يتفقّد النقصان في عمله( كان النقصان في عقله، ومن كان نقصان في عمله() وعقله فالموت خير له من حياته(
واعلم يا أخي انّ العقلاء العارفين بالله المجتهدين في تحصيل رضى الله، تراهم عامة ليلهم بذكر ربهم يتلذّذون، وفي عبادته يتقلّبون ما بين صلاة نافلة، وقرآءة سورة، وتسبيح واستغفار، ودعاء وتضرّع، وابتهال وبكاء من خشيته، لاينامون من ليلهم إلاّ ماغلبوا عليه وما أراحوا به أبدانهم، فهم الرجال الأخيار، ووصفك وصف اغترار)، جيفة بالليل بطّال بالنهار، تعتذر في ترك القيام بالليل بأعذار كاذبة.وقال صلى الله عليه وآله: إذا قام العبد من مضجعه والنعاس في عينيه ليرضي ربه بصلاة الليل، باهى الله به ملائكته فيقول: أما ترون عبدي هذا قام من مضجعه، وترك لذيذ منامه إلى ما لم أفرضه عليه، اشهدوا انّي قد غفرت لهوقال: من خاف أن ينام عن صلاة الليل فليقرأ عند منامه: {قل انّما أنا بشر مثلكم يوحى اليّ انّماالهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}(.وقال النبي صلى الله عليه وآله: انّ البيوت التي يُصلّى فيها بالليل ويُتلى فيها القرآن تضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّي لأهل الأرض().وسُئل الباقر عليه السلام عن وقت صلاة الليل فقال: هو الوقت الذي جاء عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال: انّ لله تعالى منادياً ينادي في السحر: هل من داع فاُجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من طالب فاُعطيه؟.
ثم قال: هو الوقت الذي وَعَدَ فيه يعقوب بنيه أن يستغفر لهم، وهو الذي مدح فيه المستغفرين فقال: {والمستغفرين بالأسحار}() انّ صلاة الليل في آخره أفضل من أوّله، وهو وقت الإجابة، والصلاة فيه هدية المؤمن إلى ربه، فأحسنوا هداياكم إلى ربكم يحسن الله جوائزكم، فانّه لا يواظب عليها إلاّ مؤمن صدّيق().
واعلم أيّدك الله انّ صلاة الليل من أول نصفه الأخير لمن يطول في قراءته ودعائه أفضل، وهي في آخره لمن يقتصر أفضل.
وقال الصادق عليه السلام: لا تعطوا العين حظّها من النوم فانّها أقل شيء شكراً
وروي انّ الرجل يكذب ال).كذبة فيحرم بها صلاة الليل، فإذا حرم صلاة الليل حرم بذلك الرزق
وقال عليه السلام: كذب من زعم انّه يصلّي صلاة الليل ويجوع بالنهار().
وفيما أوحى الله إلى موسى بن عمران: لو رأيت الذين يصلّون لي في [ظلم](الدياجي وقد مثّلت نفسي بين أعينهم() وهم يخاطبوني وقد جليت عن المشاهدة، ويكلّموني وقد تعزّزت عن الحضور، ياابن عمران! هب لي من عينيك الدموع، ومن قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ثم ادعني في ظلم الليالي تجدني قريباً