والمتحدّث عن الكرك لابدّ له أن يتحدّث عن أهم أقضيتها وهو قضاء (مؤتة) الواقع على بعد عشرة كيلو مترات إلى الجنوب من الكرك.
يتحدّث ياقوت الحموي في [معجم البلدان] تحت مفردة (مؤتة) فيقول: (مؤتة قرية من قرى البلقاء في حدود الشام، وقيل مؤتة من مشارف الشام وبها كانت تُطبع السيوف وإليها تُنْسب المشرفية من السيوف).
وينقل ياقوت في (ج5، ص 254) من [معجمه] كلاماً عن مؤتة، فيقول: (مآب وأذرح مدينتا الشراة، على اثني عشر ميلاً من أذرح ضيعة تُعرف بمؤتة بها قبر جعفر بن أبي طالب. بعث النبي (صلى الله عليه وآله) إليها جيشاً في سنة ثمان للهجرة (630م) فساروا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء - عند أم الرَّصاص إلى الجنوب الشرقي من مأدبا - لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يُقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فلقيتهم الروم في جمع عظيم).
ومؤتة تقع إلى جنوبي مدينة الكرك على مسافة عن مركز المحافظة تقدَّر بنحو (76 كم2). ويتداخل اسم المدينة وتاريخها مع تلك المعركة الشهيرة التي وقعت بين المسلمين والمشركين في العام (8هـ - 630م)، حيث قاد جيوش المسلمين جعفر بن أبي طالب (عليه السلام). وعن سبب معركة مؤتة يذكر محمد بن عمر الواقدي (المتوفى سنة: 207هـ) في (ج2 ص 755) من كتابه [المغازي] فيقول: (بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحارث بن عُمَير الأزدي ثم أحد بني لهْب إلى ملك بخصرى وهي قطبة من أعمال الشام بكتاب، فلما نزل مُؤتة عرض له شُرَحْبيل بن عمرو الغسّاني وهو من كبار بلاط قيصر، فقال: أين تريد؟ قال: الشام، قال: لعلك من رُسُل محمد؟ قال: نعم، أنا رسول الله. فأمر به فأوثق رباطاً، ثم قدّمه فضرب عنقه صبراً. فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخبر فاشتد عليه، وندب الناس وأخبرهم الحارث ومن قتله، فأسرع الناس وخرجوا فعسكروا بالجرف).
ويضيف الواقدي في (ج2 ص 758) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (خرج مشيِّعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنّية الوداع، فوقف ووقفوا حوله، فقال: اغزوا بسم الله، فقاتلوا عدوّ الله وعدوكم بالشام، وستجدون فيها رجالاً في الصوامع (جمع صومعة وهي بيت عبادة النصارى) معتزلين للناس، فلا تعرضوا لهم، وستجدون آخرين للشيطان، في رؤوسهم مفاخر فاقلعوها بالسيوف ولا تقتلُنَّ امرأة ولا صغيراً ولا مُرضعاً ولا كبيراً فانياً، ولا تغرقنّ نخلاً ولا تقطعن شجراً ولا تهدموا بيتاً).
نختصر هنا ما كتبه أبو الفداء ابن كثير (ت: 774هـ 1372م) وهو يتحدّث عن غزوة مؤتة فيقول ما مضمونه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث سرية إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان للهجرة فتجهَّز الناس وخرج القوم وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشّيعهم، ثم مضوا حتى نزلوا معاناً من أرض الشام. فبلغ الناس أن هرقل (ت: 641م) قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليه من لخم وجذام وبلقين. أو كما يعبِّر مؤرّخ: إن هرقل إنّما نزل بمآب في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا نكتب إلى رسول الله نخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال، وإمّا أن يأمرنا بأمره فنمضي له، قال فشجَّع الناس أحدهم وقال: يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلاّ بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا فإنّما هي إحدى الحُسنيين، إما ظهور عليهم فذلك ما وَعَدنا الله ووعدنا نبينا وليس لوعده خُلْفٌ وإما شهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان.
وهكذا مضى جيش المسلمين حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها (مؤتة) فالتقى الناس عندها فتعبأ لهم المسلمون. فقاتل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) القوم حتى قُتل، وتسلّم قيادة الجيش من بعده زيد بن حارثة ثم عبد الله بن رواحة.
شهداء مؤتة:
لقد استشهد في معركة مؤتة كلٌ من:
1- جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي محمد (صلّى الله عليه وآله).
2- زيد بن حارثة.
3- عبد الله بن رواحة.
4- مسعود بن الأسود بن حارثة.
5- عامر بن لؤي.
6- مالك بن حُسيل.
7- وهب بن سعد بن أبي سرح.
8- سراقة بن عمرو بن عطية.
9- الحارث بن النعمان بن يساف.
10 - عُبادة بن قيس.
ولقد أدرجت أسماء هؤلاء الشهداء في نصب جميل أقيم عند مدخل مؤتة.
زيد بن حارثة
وفي مدينة المزار بمحافظة الكرك بالأردن إلى الغرب من مرقد جعفر الطيّار بحوالي (150 متر) يقع مرقد الشهيد زيد بن حارثة بن سراحيل بن كعب بن عبد العزي بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان، وينتهي نسبه إلى (القضاعي) يذكر ابن كثير في [البداية والنهاية: ج 4 ص 204] وهو يتحدث عن فضل شهداء مؤتة: (إن أم زيد بن حارثة ذهبت تزور أهلها فأغارت عليهم خيل فأخذوه، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، وقيل اشتراه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها فوهبته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل النبوة فوجده أبوه فاختار المقام عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعتقه وزوّجه مولاته أم أيمن، واسمها بركة، فولدت له أسامة بن زيد).
استشهد زيد بن حارثة في مؤتة عام (8هـ - 630م) ودُفن في ذات البقعة التي دُفن فيها جعفر الطيار على مسافة (150 متراً) حيث يقع قبر ابن حارثة في ضريح صغير لا تزيد مساحته عن (12 متراً مربعاً - 3×4) تحيط بغرفة القبر حديقة متواضعة، ولا يُفتح المرقد أمام الزائرين إلاّ نهار الجمعة من كل أسبوع.
عبد الله بن رواحة
الشهيد عبد الله بن رواحة واحد من شهداء معركة مؤتة، وفي نسبه يقول المؤرخون: إنه عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن الأغر الأنصاري الخزرجي. ويقال في إسلامه: (إنه أسلم قديماً وشَهِدَ العقبة، وكان أحد النقباء - ليلتها - لبني الحارث بن الخزرج، وشَهِد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر).
وعبد الله بن رواحة من شعراء صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) المشهورين، ومما نُقل من شعره في رسول الله (صلى الله عليه وآله):
وفيـــــــنا رســـــول الله نتلو كتابه***إذا انشـقّ معروفٌ من الفجر ساطعُ
يبيت يجافي جــــــنبه عـــن فراشه***إذا استثـــقلت بالمشركين المضاجعُ
أتى بالهــــــدى بعــد العمى فقلوبنا***به موقـــــفات أنَّ مــــــــا قال واقعُ
قضى عبد الله بن رواحة شهيداً في مؤتة، ودفن في المزار على مسافة لا تبعد عن (100 متر) عن قبر زيد بن الحارثة، وعلى بعد حوالي (250 متراً) عن جعفر بن أبي طالب.
يقع ضريح ابن رواحة وسط منتزه كبير، فيما لم يقم بنيان على قبره على الرغم من المساحة الكبيرة هناك، اللهم إلا تلك الغرفة الصغيرة (2×3 م2) التي يتوسطها القبر، ويقوم على رعاية القبر شيخ مسن لا يفتح غرفة الضريح إلا نهار الجمعة أمام الزائرين. يلفت نظرك كثرة وجود الأطفال قريباً من مرقد ابن رواحة، تطلب من ذلك الشيخ المسن حارس القبر تفسيراً لذلك حيث لم نلمح ظاهرة وجود مجموعات من الأطفال قرب مرقدي جعفر وزيد فيجيب: (إنّ الأطفال يقصدون المنتزه المحيط بضريح ابن رواحة للعب كرة القدم)، ويضيف: وكأنه يجيب عن استغرابنا لاقتصار فتح المقام على نهار الجمعة - يوم العطلة الرسمية الأسبوعية في الأردن - : (إنّ عدد الزوار قليل لانعدام الخدمات في المرقد وما حوله، ولضيق المكان حيث لا يتسع لأكثر من ثلاثة أشخاص ولا توجد قريباً منه مرافق صحية وأماكن للوضوء).