منتديات ابـــــ فلسطين ــــــن
يا بني آدم ؟ دخلت منتديات ابــــــ فلسطين ـــــــــن إنتا
بدك تسجل يعني بدك تسجل ، بالطول بالارتفاع بدك تسجل !! تذعرنيييش وتحرجنيش معك .. أي مشان أبوك سجل ..
بقولك تذلنيش !! اسمع أخبط تسجيل
منتديات ابـــــ فلسطين ــــــن
يا بني آدم ؟ دخلت منتديات ابــــــ فلسطين ـــــــــن إنتا
بدك تسجل يعني بدك تسجل ، بالطول بالارتفاع بدك تسجل !! تذعرنيييش وتحرجنيش معك .. أي مشان أبوك سجل ..
بقولك تذلنيش !! اسمع أخبط تسجيل
منتديات ابـــــ فلسطين ــــــن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات ابـــــ فلسطين ــــــن

مرحبا بك يا زائر في منتدياتنا
 
الرئيسيةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

نقوم الآن بعمليات صيانة للمنتدى وسيتم إعادة إفتتاحه من جديد في الحادي عشر من الشهر الحالي ونعتذر للإزعاج


 

 ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سامر
مشرف
مشرف
سامر


عدد الرسائل : 756
العمر : 30
نشاط العضو :
ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Left_bar_bleue60 / 10060 / 100ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 31/01/2008

ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Empty
مُساهمةموضوع: ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام   ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Icon_minitimeالإثنين 12 مايو 2008, 7:49 am

ندوة

(القدس مفتاح السلام والحرية)

ندوة فكرية

بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الخالد

ياسر عرفاتمن 12-14/11/2005

قاعة سليم افندي- البيرة





اليوم الاول

السبت 12/11/2005



الافتتاح والمحور الأول: (ياسر عرفات والقدس)

من الساعة 10-13





1.
ياسر عرفات الميلاد والمسيرة على طريق القدس
عزام أبو السعود

2.
ياسر عرفات والعهدة العمرية
الارشمندريت عطا الله حنا

3.
ياسر عرفات وسجاياه الانسانية
يحيى يخلف

4.
ياسر عرفات والقدس
الاخ احمد قريع (ابو العلاء)


بسم الله الرحمن الرحيم

الورقة الاولى

ياسر عرفات : الميلاد والمسيرة على طريق القدس



عزام توفيق أبو السعود



في هذا اليوم ، الذي نقف فيه لنؤدي واجب الوفاء ، لرجل قاد هذه الأمة ، ورحل وهو يكافح من أجلها ، وترك بصماته على تاريخها .. وفي مجال استعراض حياة هذا القائد المناضل ، فلا بد أن نبدأ من البداية ، المولد .. والطفولة .. وبداية الشباب ... وهي مرحلة هامة من حياة أي انسان ، فكيف بها مع هذا الإنسان العظيم ، الذي نستعرض اليوم سيرته ، أجل .. لقد كان للمولد والطفولة ولأحداثها وذكرياتها ، آثارا واضحة في تكوين شخصية الراحل ياسر عرفات ، وحقلا خصبا لنمو الاتجاهات الوطنية والدينية ، وتمهيدا لبروز نزعة القيادة والزعامة في تلك الشخصية .

في وسط أحداث ثورة البراق عام 1929 ، وفي الزاوية الفخرية ، زاوية آل أبو السعود ، وفي تلك الغرفة الواسعة ، ذات القبة الكبيرة ، والملاصقة للحرم القدسي الشريف من الجهة الجنوبية الغربية ، والمطلة نافذتيها الشرقيتين على المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة ، والمطلة نافذتيها الشماليتين على حائط البراق ، كان مولد هذا الطفل ، الذي سمته أمه " ياسر " وفاء لاتفاق مع ابنة عمها على تسمية طفليهما بهذا الاسم .

كثيرة هي التقارير التي بثتها الإذاعات وشبكات التلفاز عن حياة فقيد الأمة ياسر عرفات ، وفي تأريخهم المبكر لولادة عرفات ، هناك أخطاء كثيرة ، او نوع من اللبس والغموض ، حول مكان ولادته . لقد كانت والدتي ، ابنة عم المرحومة زهوة أبو السعود ، وكانت الخالة " أم محمد الإمام " ابنة عمة الراحل ياسر عرفات ، تحدثانا في ليالي الشتاء الباردة بعض القصص العائلية ، وأود هنا أن أذكر بعضا من " حواديت " الشتاء ، فبالرغم من أن هذه القصص هي قصص عائلية خاصة ، إلا أنها توضح كثيرا من التاريخ المبكر لهذا الرجل :

كانت الصديقتين الحميمتين والجارتين من بنات العم ، زهوة وهيبة ، وكلاهما حامل وتسكنان في الزاوية الفخرية ، زاوية آل أبو السعود في الجهة الجنوبية الغربية من الحرم القدسي الشريف ، قد تعاهدن إذا رزقهن الله بصبي أن يسميانه ياسر ، وتتطابق أمنياتهما فترزقان ، وخلال أسبوع واحد بصبيين ، هما ياسر أبو السعود وياسر عرفات ، أما صديقتهما الثالثة والدتي ، فقد أنجبت شقيقتي فاطمة بعدهما بعشرين يوما ، في نفس العام الذي تفجرت فيه ثورة البراق ، عام 1929 ، تلك الثورة التي كان خطيبها المفوه هو الشيخ حسن أبو السعود ، مفتي الشافعية في فلسطين ، ومفتش المحاكم الشرعية ، وأحد مؤسسي مدرسة روضة المعارف بالقدس ، وعضو الهيئة العربية العليا، وصديق الحاج أمين الحسيني الحميم .

كانت زهوة أبو السعود ، " أم جمال " ، قد حضرت إلى القدس من القاهرة لتضع مولودها بين أهلها ، تمشيا مع العادة التي كانت سائدة في تلك الأيام ، ذلك أنها كانت تشعر بالغربة في مصر ، منذ انتقلت للعيش هناك مع زوجها " عبد الرؤوف عرفات القدوة ، قبل عدة سنوات ، وبعد أن باع زوجها دكان بيع الحبوب في خان الزيت بالبلدة القديمة من القدس ، وذهب إلى القاهرة لمتابعة حقوق إرثية آلت إليه من ريع " وقف الدمرداش " أحد أكبر أوقاف مصر والذي تشمل اراضيه معظم منطقة العباسية في القاهرة ، حيث أصبح متوليا على هذا الوقف ، بعد أن بدأ يعمل في تجارة القطن في مصر .

كانت زهوة " أم جمال " تأتي كل صيف إلى القدس وتقيم مع أطفالها في بيت شقيقها سليم في الزاوية الفخرية ( زاوية ابو السعود) _ التي تعود إلى نهاية عصر الأيوبيين وبداية العصر المملوكي_ وقد أنجبت في الزاوية كلا من ياسر وفتحي ، وكانت قد سكنت بعد زواجها ، وقبل سفر عبد الرؤوف القدوة إلى مصر، في منطقة الميلوية في حارة السعدية ، وفي الواد ، وهما من أحياء البلدة القديمة من القدس حيث أنجبت في هذين المنزليين كل من جمال وانعام ومصطفى ويسرى وخديجة ، وبعد رحيل الاسرة الى القاهرة استمرت زهوة في قضاء صيف كل عام في القدس ، هي وأطفالها وبينهم ياسر عرفات ، في زاوية أبو السعود ، وفي بيت شقيقها سليم ، يعيشون إلى جوار المسجد الأقصى ، يلهون في ساحاته ، وأروقته و " لواوينه " ومصاطبه .

عام 1933 ، كما يبدو كان عاما سيئا لتجارة والده ، أما عام 34 فقد توفيت به زهوة في القاهرة بعد عدة أشهر من عودتها الى القاهرة من القدس بعد ولادتها لابنها فتحي ، وذهب سليم ( شقيق زهوة ) وراجي أبو السعود ( ابن أخت عبد الرؤوف عرفات القدوة ) إلى القاهرة لحضور العزاء ، وعادا من هناك الى القدس ومعهما الطفلين ياسر وفتحي ، ليرعاهما خالهما " سليم " ، وابن عمتهما " راجي " الذين لم يكن الله قد رزقهما أطفالا ، بينما بقي جمال ومصطفى وانعام ويسرى وخديجة في القاهرة مع والدهم .

عاش ياسر وفتحي أكثر من سنتين في رعاية خالهما سليم ، كانا يلعبان مع أبناء العائلة ، وكان ملعبهم ساحات الحرم الشريف ، تربيا في ظل عائلة كانت منشغلة بالسياسة في تلك الأيام ، فقد برز الدور السياسي للشيخ حسن أبو السعود ، مفجر ثورة البراق ، وأحد المقربين إلى المفتي الحاج أمين الحسيني ، كما برز دور الدكتور حسام أبو السعود كأحد أقطاب المعارضة التي تزعمها راغب النشاشيبي ، وكانت أحاديث وخلافات " المجلسيين والمعارضة " أو "الطربوش والحطة والعقال "، هي محور ما يسمعه الأطفال فيرسخ في ذهنهم ، حتى بدأ إضراب عام 1936 ، ذلك الإضراب ، أو ثورة 36 كما يسميه البعض أضاف إلى " قاموس الأطفال " تعابير جديدة وأشياء كثيرة وذكريات أكثر . لكن هذا الإضراب ، أدى إلى توقف كافة الأعمال ، وانقطاع عمل ودخل الكثير من الناس ، وبينهم خال الأطفال ، مما حدا بعبد الرؤوف القدوة إلى استعادة طفليه من القدس ، بسبب الإضراب أولا ، ثم بسبب قرب فتح المدارس ، إذ كان سن ياسر عرفات قد وصل إلى سبع سنوات وهو سن الالتحاق بالصف الأول الابتدائي ، وحيث أن دخول المدرسة يستدعي شهادة ميلاد للطفل ، ولصعوبة إحضار شهادة ميلاد من القدس بسبب الإضراب ، فقد استصدر " أبو جمال " شهادة ميلاد لياسر من القاهرة ، وهذه نقطة هامة أردت توضيحها ، وهي سبب استصدار شهادة ولادة من القاهرة ، فدخول المدرسة لياسر عرفات كان أيسر ، بوجود شهادة ميلاد صادرة من القاهرة .

يذكر أبناء جيل عرفات ، أن عرفات قضى الفترة من 1942-1944 في الزاوية ، وأنهم يذكرون الخيمة التي نصبها قرب باب الزاوية وهو ولد ابن ثلاثة عشر عاما ، كان محور اللعب داخل الخيمة ، هو لعبة العسكر ، وضع الخطط العسكرية ، والهجوم على مواقع العدو ، كانت خططهم هذه تحدد حسب مواقع في ساحات الأقصى ، كالمهد أو توما توما ، أو كبئر أو سبيل أو عمود رخامي أو قبة في الساحة . ، كان يلعب مع الصبية لكنه يجب أن يكون دوما هو القائد في اللعب ، بالطبع كانت الفترة هي فترة الحرب العالمية الثانية ، والأطفال يسمعون عن الحرب ، ويترجمون ذلك في ألعابهم . كانوا يسمعون عن ثورة 39 ، فتستفز تلك الأحداث حسهم الوطني ، وتنمي فيهم الحماس ، وكان الأولاد يحبون ياسر ، لأنه يتنطط كالعفريت ويتكلم باللهجة المصرية المحببة الى النفس والقلب .

كان قلب خاله سليم قد تعلق بياسر وفتحي كثيرا ، كما تعلقا به أيضا ، فخاله لم يرزق بالخلف ، لذلك عاش الطفلان في ظل الخال وزوجته المحرومين من الأطفال والمتلهفين عليهم ، فنال الطفلان من الرعاية والحب الشيء الكثير ، لذلك بقيا على عهد الوفاء والحنين إلى خالهما ، كما يظهر في رسائل ياسر عرفات إلى خاله. وهذه مقتطفات من رسالة وجدتها ضمن عدة رسائل شخصية قديمة بين أوراق المرحوم سليم أبو السعود ، إحداها من ياسر عرفات من القاهرة وموجهة إلى خاله سليم في القدس ومؤرخة في 2/2/ 1947، حيث استوقفتني هذه الفقرة التي كتب فيها :

" ولكني يا خالي بعد أن طالت المدة وازدادت نيران الشوق ، لم استطع صبرا ولم أرى بدا من أن أتغلب على تلك النفس المتمردة الثائرة حتى أستطيع أن أسطر إليك تلك الكلمات القليلة التي أعتقد أنها خير من كلمات مطولة وتحرير كبير ، فإن كثرة الكلام وطول الخطاب ليذكرني بتلك الأيام السعيدة التي قضيتها في كنفك تراعني وتحدب علي ، وان هذا لمما يزيد في عذاب نفسي وشقاء روحي عندما أعلم أنني عندك ببعيد " .

الكلمات السابقة هي كلمات ياسر عرفات ، حين كان ابن 18 عاما ، أرسلها من القاهرة الى القدس ، لكن .. هل انقطع عرفات فعلا عن فلسطين وعن تتبع أخبار فلسطين في تلك الفترة ؟

كان الشيخ حسن أبو لسعود ، يتردد كثيرا على القاهرة مبعوثا من القيادة الفلسطينية ، ضمن عادة المفتي في تلك الأيام في التشاور مع الزعماء المصريين ، وكان عبد الرؤوف القدوة يذهب ليرى الشيخ كلما سمع بقدومه الى مصر ، وكان يأخذ معه أولاده ، وعندما نفى الإنجليز الشيخ إلى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد العودة من المنفى في جزيرة سيشل ، كان أبناء القدس والأقارب ، وبينهم ياسر عرفات يلتقون على مائدة الشيخ حسن أيام الجمع ، وكان صالون الشيخ بمصر الجديدة ، يستقبل دوما زعماء مصر وزعماء العرب ، وكان ياسر قد جدد صداقته لأبناء الشيخ ، رفاق الطفولة واللعب في ساحات الحرم بالقدس ، أصبحوا رفاق الصبا في القاهرة ، فأصبح كثير التردد على بيتهم ، وكان ياسر عرفات يتسابق معهم لتقديم القهوة لضيوف الشيخ ، علهم يسمعون بعضا من كلام الزعماء ، ليتباهوا بذلك أمام أصدقائهم . فلا عجب اذن أن تخلق مثل تلك البيئة ، شابا مندفعا نحو النضال ، وتواقا ليأخذ فرصته لصد الأخطار المحدقة بالوطن خاصة وأنه يعشق القدس ويحن إليها .

في تلك السنوات ( 1945-1948 )، كان هم القيادة الفلسطينية في المنفى ، تأمين السلاح للمجاهدين في فلسطين ، وكانت إحدى الطرق لذلك ، شراء مخلفات معركة العلمين من الأسلحة ، ورغم أن ياسر عرفات ، كان فتى يافعا آنذاك ، إلا أنه كان يصر على الذهاب إلى صحراء مصر الغربية ، وكان يسير في حقول الألغام ، يتبع الدليل البدوي ، الذي يقودهم إلى بقايا السلاح المتروك هناك ، وقد رافق ياسر عرفات الشيخ موسى ابو السعود وحيدر الحسيني في زيارات لبدو الصحراء الغربية بمصر لشراء ما أخفوه من اسلحة ، وبعد ذلك تأمين وصول هذا السلاح الى فلسطين عبر غزة ، وقد حدثني في آخر مرة قابلته بها عن تلك الأيام ، وعن دبابة عرضت عليهم لشرائها بمبلغ خمسين جنيها مصريا ، كانت موجودة لدى أحد تجار الخردة في وكالة البلح في مصر ، وأن المشكلة كانت في عدم شرائها ، هي كيفية نقلها وتهريبها إلى فلسطين . نعم هذا ما قاله لنا ياسر عرفات قبل شهرين من وفاته ، حين ذهبنا أبناء العائلة لنقدم الشكر له لمواساته وتقبله العزاء بابني عمنا موسى وحاتم وأحدهما هو موسى رفيقه في صحراء العلمين وابن الشيخ حسن ، الذي كان ياسر عرفات يعتبره أباه الروحي .

لا أريد أن أتحدث عن دور ياسر عرفات في حرب عام 1948 ، ولا عن رابطة طلبة فلسطين في أوائل الخمسينات ، ولا عن دوره كمتطوع أثناء العدوان الثلاثي على مصر ، فتلك أمور موثقة ومعروفة ، لكنني أود أن أذكر ، أن أقارب ياسر عرفات ، أرادوا إبعاده عن النشاط السياسي والنضالي ، لذلك فقد سعى ابن عمته " راجي أبو السعود " ، الذي كان يعمل في دائرة الأشغال الكويتية آنذاك ، لتأمين عمل لياسر عرفات كمهندس في تلك الدائرة ، فلعل العمل والمال ينسيه السياسة ، فذهب إلى الكويت ، وكان يقضي الكثير من وقته في بيت قريبه هذا، فذلك أفضل من بيت " العزّاب " الذي كانت إمارة الكويت في ذلك الحين تؤمنه للمهندسين غير المتزوجين الذين يعملون معها ، لذلك رأينا الوفاء كل الوفاء من ياسر عرفات ، حين عاد إلى الوطن ، والى أريحا بالذات ، حيث اعتاد على زيارة ورعاية تلك العجوز التي جاوزت التسعين من عمرها ، ثروت " أم سليمان " زوجة راجي ، والتي توفيت بعده بأيام متأثرة بخبر وفاته.

في نهاية عام 1964 ، زارنا في بيتنا بالقدس ، رجل أصلع ، كان ينادي والدي بلقب " خالي " ، وعرفني والدي عليه بأن اسمه ياسر عرفات ، لم أكن أعرفه قبل ذلك ، ولكن ، وفي اليوم التالي ، طلب مني والدي أن اذهب معه إلى بيتنا في أريحا لأن عنده ضيوف على الغداء ، بالطبع اصطحبني والدي لخدمة ضيوفه ، بعد أن أخذ علي العهود والمواثيق بأن أكتم أمر ما أسمع أو أرى ، وفوجئت هناك بأن ضيف الأمس يقود الحديث ، وان الضيوف هم عدد من شخصيات القدس ، ولعلي الآن استطيع أن أقول ان هذه الشخصيات هي راسم الخالدي ، والدكتور داود الحسيني ، واسحق الدزدار ، وعبد الرحمن الكالوتي ، وياسر أبو السعود ، ووالدي توفيق أبو السعود ، رحمهم الله جميعا ، وكان من رتب لهذا اللقاء هو عمر الخطيب ( أبو شامخ ) ، وقد اعتقل جميعهم بعد ذلك اللقاء ببضعة أشهر .

بعد حرب عام 1967 بشهرين ، زارنا هذا الرجل في بيتنا مرة أخرى ، وكان يرافقه المرحوم فهمي الحموري ، وطلب إلي والدي أن أقدم القهوة وأغلق الباب خلفي ، لم أعرف ما دار من حديث ، لكني عرفت الرجل من لهجته المصرية ، وعرفت فعلا من يكون ، حين رأيته بعد ذلك بعدة أشهر يتحدث في ندوة باتحاد طلبة فلسطين في القاهرة ، وقدموه لنا بأنه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الجديد . وكانت المفاجأة لي آنذاك ، أنه عرفني وهو يغادر القاعة بعد انتهاء حديثه الينا ، وسألني : " كيف الأهل بالقدس ؟ اذا عندك اتصال بيهم ، قول لهم مش حنطول عليهم ، حنحررهم "

رجل أحب القدس ، عشق القدس ، وتمنى أن يدفن في ترابها ، كان يفتخر دوما بأن أخواله من القدس ، وانه ولد وعاش بعضا من طفولته وصباه بها ، عشق حجارتها وقبابها ، عشق كعكها والزيت والزعتر ، وأحب " القزحة " على الإفطار ، كما أحبها واعتاد على أكلها صباحا خاله المقدسي ، عشق عبق التاريخ في القدس ، عشق رائحة البخور تهفو من كنائسها ، وصوت المؤذن ينطلق من مآذنها ، لم يسمح له بدخولها بعد عودته ، إلا في تلك الليلة الماطرة العاصفة ، حين كان في بيت لحم ، ويريد السفر إلى الأردن ، ولم تكن الأحوال الجوية تسمح لطائرته بالطيران ، فذهب عن طريق الجسر مرورا بالقدس ، فاستنشق ريحها ، وهاجت في نفسه ذكريات وذكريات ، وقد حدثني أحد الأصدقاء بأنه حمل عنقودا صغيرا من عناقيد العنب ، كان قد قطعه من دالية عنب وحيدة مزروعة فيما تبقى من أرض الزاوية الفخرية بالقدس وأخذ قطف العنب هذا الى ياسر عرفات ، الذي بدت البهجة والسعادة على محياه وهو يأكل شيئا من " ريحة القدس والزاوية " ،التي هدمها الاسرائيليون عامي 1967 و1968 ، بحجة انها جزء من الحائط الغربي لهيكلهم المزعوم ، وان حفرياتهم اسفلها بعد ذلك لم توصلهم الى شيء من أثر الهيكل . ولعل البعض منكم يعرف أن ياسر عرفات كان يؤمن بنظرية أن الهيكل لم يبن يوما ما في القدس ، وأنه كان مع نظرية أن موسى عبر ببني اسرائيل البحر الأحمر من جنوبه ، وأن اليهود عاشوا في جنوب الجزيرة العربية وبنوا هيكلهم هناك .

ولعل الجميع يعرفون ، أن ياسر عرفات كان يتباهى دوما ب " كوشان الطابو" الذي يثبت حصته وحصة اشقائه وشقيقاته من حقهم الارثي عن والدتهم في قطعة أرض براس العامود بالقدس .

تلك صفحات منسية من تاريخ هذا الرجل ، الذي شهر أعداؤه به وبنسبه ، والذي فارقنا وهو يحمل الراية ، يتمنى العودة إلى القدس ، مرتع طفولته ، والتي أحبها وحلم بها وقدم لها الكثير ، وأوصى أن يدفن بها ، والدعاء إلى الله أن يرحم أبا عمار ، وأن يحمي هذا الوطن المعذب ، والذي كتب له ولأهله أن يكونوا أهل الرباط إلى يوم الساعة .

رحم الله أبا عمار ، سنفتقده ، وستفتقده القدس التي لم يبخل عليها أبدا ، وعزائنا فيه أمل .. بان نواصل مسيرته ، أن نواصل حبنا ورعايتنا للقدس ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سامر
مشرف
مشرف
سامر


عدد الرسائل : 756
العمر : 30
نشاط العضو :
ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Left_bar_bleue60 / 10060 / 100ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 31/01/2008

ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام   ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Icon_minitimeالإثنين 12 مايو 2008, 7:49 am

الورقه الثانيه
الورقة الثانية

في الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد أبا عمار

(ياسر عرفات والعهدة العمرية)


بقلم الاب الارشمندريت د. عطاالله حنا

الناطق الرسمي باسم الكنيسة الارثوذكسية

في القدس والاراضي المقدسة



يطيب لي أن أتحدث عن جانب مهم من الجوانب المتعلقة بشخصية قائدنا ومعلمنا وبطلنا الكبير الشهيد ياسر عرفات وهو جانب يتعلق بالعهدة العمرية ، والعهدة العمرية كما هو معلوم هي وثيقة تاريخية هامة قدمها الخليفة العادل عمر بن الخطاب للبطريرك الارثوذكسي في القدس صوفرونيوس لدى دخول الاول الى مدينة القدس فقد كان البطريرك في استقباله وقام عمر بتقديم هذه العهدة لكي يشعر المسيحيون بالامن والامان وتأكيداً على أهمية المحافظة على الاماكن المقدسة المسيحية وترسيخاً للتقارب والمودة والتواصل الاسلامي المسيحي وهذا حدث عندما تم فتح مدينة القدس عام 637 .

أما بالنسبة للرئيس الراحل ياسر عرفات قائدنا العظيم الخالد الذكر فان العهدة العمرية لم تكن وثيقة تاريخية فحسب وانما كانت فكراً وثقافةً ونهجاً وعملاً أي أنها لم تكن كلمات مكتوبة فحسب وانما عملاً يطبق على الارض فأضحت العهدة العمرية دستوراً للعلاقة الاسلامية المسيحية وعملاً يرسخ الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد مسلمين ومسيحيين ، اذ كنا نلمس بان كل كلمة ينطق بها أبو عمار كانت فيها نفحات مقدسية من العهدة العمرية فعشق أبو عمار للقدس جعله يتحدث دائماً عن مقدساتها وقدسيتها واهلها فلا يخلو خطاباً من خطاباته أو استقبالاً من استقبالاته أو تصريحاً أو مقابلةً صحفية له الا وكان يحدثك عن القدس ومقدساتها المسيحية والاسلامية ، ونحن الذين كنا نلتقي معه دائماً كان يلفت انتباهنا بمحبته للقدس وعشقه لمقدساتها الاسلامية والمسيحية وكان هاجسه ان يأتي اليوم حتى يؤم في هذه المقدسات ولكي تكتحل عيناه بارض الاسراء والمعراج والقيامة والنور .

ذكريات كثيرة تركها ابو عمار في نفوسنا ولذلك فانه بعد مرور عام على انتقاله عنا بالجسد الا اننا نحن نستشعر بوجوده معنا بالفكر والوجدان والموقف ، اننا نفتقده كثيراً ففي كل مناسبة دينية أو وطنية نذكره لانه كان راعياً لهذه اللقاءات ومثالاً يُحتذى به في التسامح وفي تقوية العلاقة الاسلامية المسيحية ، ولعل أجمل صور أبو عمار التي لن تنسى من ذاكرتنا هي وقفته الشجاعة الابية محتضناً رجال الدين الاسلامي والمسيحي ولسان حاله يقول كونوا اخوةً في هذا الوطن لان وحدتكم هي القوة التي يخاف منها الاعداء ، وقد أضحت المناسبات الوطنية والدينية بفضل رعايته لها لقاءات تبرز الوجه الحضاري العظيم لامتنا وشعبنا فها هو القائد الرمز يحمل بيمينه الهلال وبيساره الصليب مُظهراً للعالم بأسره تلاحم الصليب والهلال وتعانق المسلمين والمسيحيين في أقدس بُقعة في العالم ألا وهي فلسطين .

لقد كان ياسر عرفات حريصاً على استقبال رجال الدين المسيحي بكافة مراتبهم ومناصبهم والتحدث معهم والسماع الى همومهم والتعرف على التحديات التي تواجههم ، فقد اتيحت لي الفرصة أن أشارك في تلك الاجتماعات التي كانت تعقد في غزة وفي رام الله وفي بيت لحم وفي غيرها من المواقع ولا زلت أذكر الكلام الذي قاله البطريرك الراحل ذيوذوروس الاول لدى لقاءه الرئيس الراحل ياسر عرفات في الدير الارثوذكسي في بيت لحم بعد دخول سيادته الى أرض الوطن للمرة الاولى حيث أنه كان حريصاً ان تكون اقامته في بيت لحم في ديرنا المجاور لكنيسة المهد ريثما يتم بناء مقر دائم لاقامته في هذه المدينة ، البطريرك ذيوذوروس وبتأثر بالغ وظاهر قال لابو عمار في لقاءهما الاول في بيت لحم بكلمات صادرة من القلب : (سيادة الرئيس بصفتي خليفة البطريرك صوفرونيوس يسعدني ان استقبل خليفة عمر بن الخطاب ) هذه كلمات قيلت وهي تعبر عن محبة واحترام حقيقيين وليس عن مجاملة كلامية فقط أما أبو عمار فقد بادل البطريرك بعناق اخوي وبقبلات عهدناها منه تعبر عن الاصالة والمودة والاحترام ، وقد كان سيادته حريصاً في كل عام على أن يشارك أبناءه المسيحيين احتفالاتهم بعيد الميلاد المجيد في مدينة بيت لحم فكان يدخل الى الكنيسة بكوفيته الفلسطينية المعهودة لكي يقول لابناءه المسيحيين ميلاد مجيد وكل عام وأنتم بخير ولكي يُشعرهم بأنه رئيس الشعب الفلسطيني بكافة طوائفه وأطيافه فلا تمييز بين هذا وذاك .

نذكره أيضاً كيف أنه بادر مباشرة بعد عودته الى أرض الوطن باستقبال كافة الوفود المسيحية التي كانت تأتي من الخارج للتضامن مع شعبنا الفلسطيني في نضاله المشروع لاقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس فقد كان فرحه عظيماً عندما استقبل قداسة البابا الراحل في فلسطين وعندما كان يستقبل بطاركة الكنيسة الارثوذكسية الذين كانوا يزوروا فلسطين فقد كان حريصاً على استقبالهم وتكريمهم ولدى اقامتنا لاحتفالات اليوبيل الاعظم سنة 2000 في بيت لحم كان سيادته حريصاً على رعاية هذه الاحتفالات وقد كرم كافة البطاركة بمنحهم وسام بيت لحم 2000 وما زلت اذكر كلمات قداسة البطريرك المسكوني برثولوماوس الاول حيث كنت حاضراً لدى تقليد قداسته وسام بيت لحم 2000 من قبل سيادة رئيسنا الراحل فقد شكر البطريرك المسكوني الرئيس أبو عمار على لفتته الانسانية وقال له بكلمات صادرة من القلب توليتُ أنا شخصياً ترجمتها من اللغة اليونانية الى اللغة العربية قال له : (بانني يا سيادة الرئيس زرت دولاً عالمية كثيرة ونلتُ أوسمة اكثر فقد كرمني رؤساء وملوك لكن تكريمك لي الآن أعتبره الاهم والاسمى من أي تكريم آخر لانني أُقَلد هذا الوسام من قبل رئيس دولة فلسطين حاضنة المقدسات وسيادتكم المحافظ والراعي لهذه المقدسات فعندما آخذ وساما من يد رئيس دولة فلسطين هذا أعتبره تكريماً كبيراً يتميز عن أي تكريم آخر) . وعندما زرت اسطنبول مؤخراً لاحظت بان البطريرك المسكوني يحتفظ بهذا الوسام أمامه في مكتبه الخاص وقد قال لي بالحرف الواحد : (بانني يا أبونا عطاالله كلما أنظر الى هذا الوسام أتذكر أبو عمار وكلما أتذكر أبو عمار أتذكر كنيسة القيامة وكنيسة المهد وكافة المقدسات التي زرتها في فلسطين ، وقال لي : بان هذا القائد ترك في نفسي بصمات لن تمحى الى الابد فتواضعه ودماثة خلقه واحترامه وعيناه اللتان كانتا تشعان نوراً يعبر عن الايمان والاصالة والمحبة والاستقامة ، وقال لي : بان أبو عمار له مكانة خاصة في كنيستنا الارثوذكسية الشرقية فهو رجل السلام ورجل الدفاع عن الحقوق وهو فارس من فرسان هذا الدهر لن ينسى من ذاكرتنا الى الابد ما دامت هنالك ذاكرة) .

لقد كان ابا عمار حريصاً على ابراز فلسطين ببعديها الاسلامي والمسيحي في كافة المحافل الدولية والعربية والاسلامية فقد كان حريصاً على وجود رجال الدين الاسلامي والمسيحي معا وجنباً الى جنب في كافة المؤتمرات خاصة مؤتمرات القمة الاسلامية والعربية وقد اراد ابو عمار من خلال هذه المشاركة ان يبرز للعالم أهمية القدس انسانياً وحضارياً وروحياً وارتباطها بالشعب الفلسطيني كعاصمة روحية ووطنية لهذا الشعب المناضل ففي القمم العربية كان حريصاً على ان يرافقه وفداً رفيع المستوى من رجال الدين الاسلامي والمسيحي لاظهار العناق التاريخي بين الصليب والهلال وابراز موقف وطني اسلامي مسيحي موحد تجاه قضايانا وهواجسنا خاصة فيما يتعلق بمدينة القدس وفي القمم الاسلامية خاصة تلك التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة وفي اوج الهجمة الصهيونية على القدس اراد سيادته ان يظهر للعالم الاسلامي وللامة العربية بان المسلمين والمسيحيين يدافعون عن مدينتهم المقدسة وهم سداً منيعاً في وجه سياسات التهويد والاسرلة الاحتلالية الغاشمة وقد طلب مني سيادته بشكل مفاجىء أن القي كلمة القدس امام المؤتمرين ، فاذا بي افاجىء بعد دقائق برئيس المؤتمر أمير دولة قطر يدعوني الى منصة الخطابة لالقاء كلمة باسم مدينة القدس ورجال الدين الاسلامي والمسيحي الحاضرين في المؤتمر وقد اعلن وزير الخارجية القطري في نهاية المؤتمر عن اعتبار هذا الخطاب وثيقة من وثائق المؤتمر ، وبالفعل فقد كان حدثاً تاريخياً ان يشارك رجال الدين المسيحي في مؤتمر اسلامي يجمع قادة الدول الاسلامية ، وقد ذهبت الى قطر وكان معي الارشمندريت ثيوفيلوس الذي هو اليوم غبطة البطريرك الجديد ثيوفيلوس الثالث .

ومن الامور الهامة التي يجب ان نذكرها عن ابو عمار انه بفضل رعايته وتوجيهاته أصبح عندنا اليوم منهاج متكامل للتربية الدينية المسيحية في المدارس الحكومية والخاصة على السواء فمنذ ثمانية اعوام ونحن نعمل على تأليف منهاج موحد للتربية الدينية المسيحية حيث ان ابو عمار أوعز للهيئة الوطنية لتأليف المناهج وكذلك لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية بضرورة وضع منهاج للتربية الدينية المسيحية اسوة بالتربية الدينية الاسلامية وغيرها من المناهج وها نحن اليوم نزف الى شعبنا الفلسطيني بان المنهاج أوشك على الانتهاء فقد تم تأليف واعتماد احدى عشر كتاباً حتى اليوم من الصف الاول الابتدائي وحتى الصف الثاني الثانوي وبعد اشهر لن تتجاوز الاربعة سيصدر الكتاب الاخير لمرحلة التوجيهي واسمحوا لي ان اقول لكم بان هذا الانجاز يعتبر انجازاً كبيراً بكل المقاييس اذ أن كل الكنائس اتفقت على منهاج موحد هذا يعني ان بادرة ابا عمار ساهمت في التعاون بين الكنائس المسيحية وجعلت هذه الكنائس تتفق على منهاج موحد وهو بحد ذاته حدث تاريخي اذ أن المناهج المسيحية الموحدة في العالم غير موجودة باستثناء المنهاج السوري وهو قديم أُلف قبل ثلاثين عاماً والمنهاج المصري وقد أُلف قبل عشرين عاماً هذا يعني أن منهاجنا يتميز بحداثته وفرادته وتميزه عن باقي المناهج الاخرى وهذا لم يكن من الممكن ان يكون بدون توجيهات وتعليمات ابو عمار رحمه الله .

لقد كان أبا عمار يكن احتراماً عميقاً للكنيسة المحلية ويعتبر موقف الكنيسة في الاراضي المقدسة بانه الموقف السليم لان كنيسة فلسطين هي الكنيسة الام ذلك لانه من هذه الارض الطهور انتشرت البشارة المسيحية الى مشارق الارض ومغاربها وعندما كان أبو عمار في امريكا في المفاوضات التي كانت في منطقة كامب ديفيد واقترح عليه بان يتم تقسيم مدينة القدس الى أحياء اسلامية ومسيحية وأرمنية ولربما شيعية أو سنية كان ابا عمار يسأل ما هو موقف كنيسة القدس فاجتمع البطاركة والمطارنة في مدينة القدس وأصدروا بيانهم وتوضيحهم التاريخي حتى يسمع القاصي والداني بمن فيهم الجالس في البيت الابيض بان كنائس القدس ترفض تقسيم المدينة المقدسة فالقدس مدينة واحدة لا تتجزأ بكل مقدساتها واحيائها ومؤسساتها وهي مدينة عربية فلسطينية للمسلمين والمسيحيين هذا هو موقف كنيسة القدس .

وعندما حدثت مشكلة الناصرة المشؤومة التي أُريد لها من قبل اسرائيل ان تحدث تصدعاً وانشقاقاً وفتنة في الجسم الفلسطيني ، كان ابو عمار السباق الى وضع حد لهذه الفتنة باطلاق مبادرات ملؤها الجرئة والصدق والرغبة في وئد الفتنة في مهدها منعاً لتفاقمها وافشالاً للمخططات التي رسمت للنيل من وحدتنا الوطنية فقد كان لابو عمار الفضل الكبير في افشال هذا المخطط الشيطاني ومع ان تداعيات هذه الازمة ما زالت موجودة الا انها في طريقها الى التلاشي بفضل حكمة أبناء شعبنا ورغبتهم في التصدى للمخططات المعادية .

لقد كان ابا عمار يتألم كثيراً عندما يسمع عن الهجرة المسيحية لانه كان يدرك اهمية بقاء المسيحيين في هذه الارض بصفتهم جزءاً اصيلاً من شعبنا العربي الفلسطيني فقد كان دائماً في لقائاته وفي اجتماعاته مع رجال الدين المسيحي يولي اهمية كبيرة لهذه المسألة وقد كان يدعو دائماً المسيحيين الى الصمود والبقاء في هذه الارض لان اعتقاد ابو عمار راسخ بان المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من الامة العربية ومن الشعب الفلسطيني وعندما كان أبو عمار يختار عدداً لا بأس به من مساعديه الاقربين ومستشاريه من المسيحيين كان يقوم بهذا لكي يقول للمسيحي كما للمسلم بان هذا هو وطنك وهذا هو بلدك .

وكما انه كان للمسيحيين وللكنيسة المحلية مكانة كبيرة في قلب ابو عمار هكذا فانه كان لابو عمار مكانة كبيرة ايضا لدى المسيحيين والكنيسة المحلية ، فان كنيسة الارض المقدسة تنظر الى الراحل الكبير على انه المدافع الاول عن التسامح الديني والوحدة والتواصل والحوار الاسلامي المسيحي ، وقد كانت تنظر الكنيسة اليه بكثير من الاحترام والتقدير لمواقفه الانسانية النبيلة واهتمامه بشؤون المسيحيين ورغبته بالا يلحق بهم اي غُبن ، ولذلك فاننا نختتم كلامنا بالتأكيد على ان مسيحيي الاراضي المقدسة وكافة الكنائس المسيحية في القدس والاراضي المقدسة لن ينسوا ذكرى ابو عمار وسيبقى اسم هذا القائد العظيم مُسطراً في قلوبنا وفي تاريخنا وفي حضورنا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سامر
مشرف
مشرف
سامر


عدد الرسائل : 756
العمر : 30
نشاط العضو :
ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Left_bar_bleue60 / 10060 / 100ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 31/01/2008

ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام   ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام Icon_minitimeالإثنين 12 مايو 2008, 7:50 am

عن ياسر عرفات وسجاياه الإنسانية
يحيى يخلف



عام 95 عندما انسحبت القوات الاسرائيلية من مدينة رام الله قام الرئيس ياسر عرفات بزيارة للمدينة التي احبها ، والتي شهدت لحظات لا تنسى من تاريخه النضالي ، عندما دخل الاراضي الفلسطينية بعد الاحتلال 67 وأقام بها في إطار عملية التعبئة الوطنية والاعداد للانطلاقة الثانية، قام بزيارتها بعد غياب قسري عنها امتد نحو ثلاثة عقود ، فحطت به الطائرة العامودية على أرض المقاطعة وسط حشود جماهيرية قل نظيرها ، ومن على سطح المقاطعة خاطب الجماهير بكلمات مؤثرة بث فيها روح الأمل ، وأعاد فيها تأكيده على مكانة القدس في مشروعنا الوطني ..

كان لقاء مؤثراً ، وكان ابو عمار ممتلئاً بالعاطفة الانسانية النبيلة ..

وكنت من بين القادة والكوادر الذين وقفوا الى جانبه في تلك اللحظات ..

وعندما أنهى خطابه ، وودع الجماهير ، استدار عائداً ليهبط الدرجات الى مكتبه .

مشى خطوات ، ثم توقف .. وتوجه الى سور السطح الجنوبي ، وتوقف مدققاً النظر عند آخر نقطة يدركها البصر . لم نكن بحاجة لمن يقول لنا ، ان الرئيس يلقي نظرة عن بعد ، على مدينةالقدس ، التي تظهر بيوتها من خلال الرياح والضباب .

دامت تلك الاطلالة بضع دقائق ، ثم التفت الينا ، وواصل طريقه .

وشاهدنا جميعاً الدموع التي انبجست من عينيه وسالت على خديه .. دموع ساخنة ،حارة مثل الدماء التي تجري في عروق السواعد التي كانت تلوح له بشارة النصر قبل قليل ..

لقد كانت تلك الدموع من أكثر الدموع الصادقة التي ذرفتها عينا ابو عمار ..



*************

الحديث عن ياسر عرفات هو حديث عن سيرورة تاريخية للقضية الفلسطينية ، على مدى نصف قرن من الزمان ، تبدأ بالنكبة وما تلاها من تحولات ، مروراً بمرحلة الإرهاصات التي سبقت إندلاع الكفاح المسلح ، وإنتهاء بقيادته لمنظمة التحرير وقوات الثورة الفلسطينية ، والسلطة الوطنية الفلسطينية ، وتحوله من زعيم حركة تحرر وطني ، الى رئيس دولة ، والى شخصية عالمية لها موقعها ومكانتها في الساحة الدولية .

ولا تستطيع كلمات تقال في ذكرى رحيله ، تكتب على عجل ، أن تلم بكل تفاصيل هذا التاريخ ، أو تحيط بحياة حافلة وغنية بالإنجازات ومواكبة التحولات ، والتطورات السياسية في الوضع الداخلي والدولي ، خاصة وأن رياح التغيير في العالم أطاحت بالعديد من الأيدولوجيات يميناً ويساراً ، وإستطاع ياسر عرفات أن يقود الدفة ، ويصارع الأمواج وأن يتكيف مع المستجدات ، وأن يصمد في معركة الصراع من أجل البقاء ، وأن يطوع الفكر السياسي نحو الواقعية السياسية، وأن يقدم أحياناً بعض التنازلات ، ولكن دون أن يفرط بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني كما أقرتها الشرعية الدولية .

وظل ياسر عرفات قائداً إستثنائياً وتاريخياً فيه مزايا وعنده أخطاء ، لكنه يمتلك حصانة خاصة ، تستمد خصوصيتها من غبار معارك مرحلة الكفاح المسلح ومن إنعكاس ظلال الأمجاد التي حققها للقضية الفلسطينية على إمتداد الساحة الدولية ، ومن وهج الإنتفاضة الأولى والثانية وكان الرمز الدائم للإنتفاضتين ، ومن صموده الأسطوري في المقاطعة عندما تعرض لقصف المدافع والصواريخ والحصار والتهديد دون أن تلين له قناة ، ودون أن تنحني قامته الكفاحية والإنسانية .

ولقد عرفت ياسر عرفات عن قرب ، وعملت معه ، عرفت فيه القائد ، وعرفت فيه الإنسان ، وكنت على وفاق معه تارة ، وعلى خلاف تارة أخرى ، وكنت قريباً منه في أغلب الأحيان ، وبعيداً فترات قصيرة . وفي مجمل التجربة ، ظل بالنسبة لي قائداً وسيداً ورمزاً ، وظل يمتلك أعلى السجايا الإنسانية ، وتعامل معي حتى في فترات الخلاف بكرامة وإحترام ، ولم يحقد علي يوماً ، فليس رئيس القوم من يحمل الحقد .

وأذكر أنني عندما التقيته لأول مرة بعد خلاف دام سنتين ، أيام محنة الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، والتي إنتهت بتوحيد الإتحاد ، وإجراء مصالحة عامة في صفوفه في الجزائر عام 1987 ، أنني عندما التقيته وعانقني وأجلسني في مكتبه لساعات طويلة إستقبل خلالها مبعوثين دوليين ، وسفراء ، وشخصيات وطنية ، وبعد أن فرغ من عمله ، وبقينا وحدنا حاولت أن أفتح معه موضوع الخلاف ، وأشرح له موقفي ، وأستمع منه الى ملاحظاته ..... أذكر أنه إبتسم ، وقال لماذا نتحدث عن الماضي ، لماذا لانتحدث عن المستقبل ... وقرأ لي سورة من القرآن الكريم ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء ، فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً ) .

ولا أريد هنا ، أن أستطرد في وصف طريقته في إدارة سلطاته ، ونجاحه في حشد القوى السياسية الى جانبه ، ومهارته في إدارة الصراع مع خصومه ، وقدرته الفذه على النفاذ الى قلوب الشخصيات العالمية التي يقابلها ، والتي يعقد صداقات معها .

لقد عرفت الرئيس عرفات منذ سبع وثلاثين سنة ، قابلته في الأغوار ، وفي جبال السلط ، وقواعد الفدائيين في شمال الأردن ، وقابلته في درعا ومكتب 23 بدمشق ، وقواعد الفدائيين في سوريا ، وعشت معه في الفكهاني في بيروت ، وفي تونس ، ورافقته في مهمات عديدة ، وعملت معه عن بعد ، كما عملت معه عن قرب ، وكنت مستشاره الثقافي لسنوات ، وسافرت معه عدة مرات ، وفي إحدى السفرات ( عام 81 ) وكنا على متن طائرة ( الأيروفلوت ) الروسية التي توجهت الى موسكو من بيروت ، وكان الرئيس أو القائد العام آنذاك أبو عمار يجلس على مقعد في الدرجة الأولى ، وبجانبه الأخ فاروق القدومي ( أبو اللطف ) ، وكنت أجلس على المقعد المحاذي في الجانب الآخر ، يفصلني عنه الممر .... ظل أبو عمار يتصفح الجرائد اللبنانية منذ بداية الرحلة ، وعندما فرغ من قراءتها ، أخذ يتسلى بحل ( الكلمات المتقاطعة ) التي تشغل ركناً ثانوياً في الجرائد ، وكان كلما إستعصى عليه الحل يسألني عن الحل المحتمل ، أو عن المترادفات ، أو عن إسم الفاعل أو المصدر ومعنى آخر لكلمة من خمسة حروف .... الخ .

وكان أبو اللطف يبتسم ، ويقول له : يا ختيار لازم تعتمد على معلوماتك !

فيرد عليه أبو عمار بمداعبة طريفة ، ونضحك جميعاً ...

كان أبو عمار يتصرف كإنسان عادي ، كرفيق سفر رائع ، ويذكرني ذلك بموقف إنساني آخر ، عندما كان على متن الطائرة التي سقطت به في الصحراء الليبية ، فقد جاءه قائد الطائرة قبل سقوطها بوقت قصير ، عندما أغلقت كل الآفاق ، وحجبت العاصفة الرملية الرؤية تماماً ، ولم يعد ثمة من خيار سوى الهبوط الإضطراري ... جاءه العقيد طيار محمد درويش الى حيث يجلس في الطائرة ، وخاطبه : سيدي الرئيس ... لم نستطع رؤية المدرج والعاصفة تحجب كل شيء ... ماذا نعمل ؟؟

فأجابه الرئيس في تلك اللحظة : يابني أنت الآن القائد في هذه الطائرة ، وأنا قائدك على الأرض.... تصرف وخذ القرار الذي يمليه عليك واجبك كقائد .

كان يحب مساعديه المميزين القادرين على إتخاذ القرار ، وكان يحب المثقفين المميزين الذين يرفعون إسم فلسطين عالياً ، وكان فخوراً بمحمود درويش ، ومعين بسيسو ، وسميح القاسم ، وإسماعيل شموط وغيرهم من الأدباء والشعراء والروائيين والفنانين .

لم يكن أبو عمار قارئاً للأدب ، فإهتماماته سياسية بالدرجة الأولى ، لكنه يدرك أهمية الأدب والفنون في الحياة الفلسطينية ، فكان يقول : الثورة ليست بندقية ثائر فحسب ، بل هي أيضاً قلم أديب ، وخيال شاعر ، وريشة فنان .

وكان إهتمامه بالإعلام يطغى دائماً على إهتماماته الأدبية أو الفنية ، وهو كأي زعيم آخر يدرك أنه يستطيع أن يوظف الإعلام أكثر من إمكانية توظيف الأدب والأدباء .

لذا ، عندما كنت أميناً عاماً للإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، إقترحت على إخواني في الأمانة العامة إقامة ملتقى شعري فلسطيني عربي ، وبعد أن تمت الموافقة ، بدأت أبحث عن تمويل ، وطرقت باب القائد العام أبو عمار ، وحاولت أن أشرح له أهمية الفكرة ، وربطتها بإحتفالات فلسطين بذكرى إنطلاقة الثورة ، فأصبحت الفكرة ثقافية إعلامية ، مما جعله يوافق على صرف تذاكر السفر للمشاركين ، وتغطية جزء من نفقات الإقامة لهم .

أطلقنا ذلك الحدث ( ملتقى قلعة الشقيف الشعري ) وقد شارك فيه أكبر الشعراء الفلسطينيين والعرب ، من محمود درويش، ومعين بسيسو، وأحمد دحبور ، ومريد البرغوثي الى أمل دنقل ،

وأدونيس ، وممدوح عدوان ، وشوقي ربيع ، وعبد المعطي حجازي ، وسعدي يوسف ، ونزيه أبو عفش، وسليمان العيسى وغيرهم .

وكان واحداً من أهم الملتقيات الشعرية العربية .

وعشية إفتتاح الملتقى ، إستدعاني القائد العام ياسر عرفات الى مكتبه ، فذهبت على الفور ، ووجدت عنده وفداً من الحركة الوطنية المصرية. ومن بين الحضور على ما أذكر ، كان لطفي الخولي والبابا شنودة ... حدث شيء من الوجوم عندما دخلت ، وبادرني القائد العام قائلاً : هل دعوت شاعراً مؤيداً لكامب ديفيد ؟؟

نفيت على الفور ، فقد كان الموقف الوطني الفلسطيني والعربي آنذاك ، مناهضاً لسياسات الرئيس السادات وإتفاقيات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية .

التفت القائد العام الى لطفي الخولي وقال له : تكلم يا لطفي !.

شعرت أن لطفي الخولي قد أصيب بشيء من الحرج ، فقال بإرتباك أن الشاعر امل دنقل مصنف على أنه من جماعة كامب ديفيد .

دافعت بالطبع عن امل دنقل ، وأثناء الحوار فهمت أن السيدة جيهان السادات كانت قد توسطت لمعالجة أمل الذي كان مصاباً بمرض السرطان ، ويبدو أن القائد العام قد تفهم المسألة ، ولم يشأ أن يحرج ضيوفه ، فغيّر الموضوع ، وأدار الحوار مع ضيوفه حول قضايا أخرى . وفي مساء اليوم التالي ، كان الإفتتاح الكبير للملتقى في قاعة اليونسكو في بيروت . وقد حضر القائد العام وضيوفه الإفتتاح ، وتعمدت أن أقدم في الإفتتاح الشاعر امل دنقل .

لم أنقل لامل دنقل ماحدث وما قيل عنه من تحفظات ، لقد كان في بيروت مفعماً بحب الحياة على الرغم من مرضه ، فوقف على المنصة بكبريائه وهيئته الصعيدية المصرية الأصيلة ، وبصوته الواثق ألقى قصيدته ( لا تصالح ) ... وقد هزت القصيدة الحضور الذين قاطعوه بالتصفيق ، وكنت أجلس الى جانب أبو عمار ، فالتفت الي وقال : كلام لطفي غير صحيح .

وقد كرمه القائد العام في اليوم التالي ، وأصدر أمراً بتغطية نفقات علاجه . . ومن اللمسات الأخرى التي أذكرها ، رعايته للكاتب السوداني الرائع جيلي عبد الرحمن ، فقد مرض جيلي وأصيب بالفشل الكلوي ، وفقد وظيفته كأستاذ جامعي ، وفقد تقاعده لإن النظام في بلده السودان ، أوقف صرف راتبه التقاعدي بسبب إنتمائه الى الحزب الشيوعي السوداني .. وجد حيلي عبد الرحمن نفسه ضائعاً ، مريضاً ، فقيراً ، لايملك ثمن وجبة الطعام أو ثمن الدواء ...

قابل جيلي عبد الرحمن الأخ عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، فأرسل لي رسالة معه يشرح فيها أوضاعه .

رفعت طلبه للرئيس ياسر عرفات بصرف راتب شهري لصديقنا الشاعر ، فأصدر الرئيس قراراً بالموافقة على صرف الراتب الشهري ، وزاد من عنده أمراً الى الهلال الأحمر الفلسطيني بشراء جهاز تنقية الكلى ، لكي يتم علاجه في منزله ، ولا يتحمل عناء ومشقة الخروج الى المستشفيات.

لم تكن تلك اللمسات الإنسانية غريبة عن سلوك ياسر عرفات ، فلقد كان بابه مفتوحاً أمام جميع المثقفين الذين تغلق في وجوههم الأبواب . ومن ذلك أنه كان قد أصدر قراراً بتوظيف جميع المثقفين العراقيين الذين تعرضوا للبطش على أيدي النظام العراقي ، والذين وصلوا الى بيروت ، وحمايتهم وإستيعابهم في مؤسسات منظمة التحرير .

ومن أبرز هؤلاء الذين عاشوا معنا ، تحت سقف الثورة الفلسطينية ، سعدي يوسف ، وفخري كريم، ولميعة عباس عمارة ، وخالد العرافي ، والكاتب الأردني مؤنس الرزار ، وعشرات غيرهم .

ومن اللفتات الكريمة التي أذكرها تلك التي حدثت يوم أن أقمنا إحتفالاً ثقافياً تكريماً للشهداء عام 1980 حضره أبو عمار ، خرجنا مع القائد العام لوداعه ، فالتفت حوله وسأل : أين فخري كريم؟.

كان فخري كريم قد إبتعد حتى لا يظهر في الصورة مع أبو عمار ، تقديراً منه لموقف أبو عمار، وحتى يبعد عنه الحرج ، خاصة وأن علاقة منظمة التحرير آنذاك كانت على وفاق مع النظام العراقي . ولم يشأ فخري كريم أن يسبب لأبي عمار متاعب جديدة مع العراق .

وعندما عرف أبو عمار بالأمر ، ظل واقفاً الى أن حضر فخري كريم ، وطلب من المصورين إلتقاط الصور ، وأوعز بنشرها ، وطلب مني ومن محمود درويش أن نصطحب فخري كريم ، ونلتحق به في مكتبه .

مثل هذه اللفتات الكريمة ، كانت تقابل بالحب والوفاء من قبل المثقفين ، وخاصة ضيوف الثورة الفلسطينية الذين وجدوا الدفء والتقدير والأمن والأمان ، وكانوا في صدارة المشهد الثقافي الفلسطيني واللبناني . ومن بين هؤلاء كانت الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة ، المرأة الجميلة والأنيقة ، وصاحبة القامة الممشوقة والعالية .

لم تكن لميعة تعمل بالسياسة ، كانت تقول : أما السياسة فإنني أرقبها ولا أقربها . ولا أدري إن كانت هناك أسباب سياسية جعلتها تغادر بغداد الى بيروت ، لكنها كانت معنا ، وبيننا .

كانت تزورني في مكتبي وتقول لي : أرجو أن تدعوني على أي لقاء يكون به القائد ياسر عرفات....

كانت لميعة تحب أبو عمار ، وتشيد به . وذات يوم كتبت له قصيدة مطولة لم تنشرها، ولكنها كانت تقرؤها في الصالونات الأدبية، وفي سهرات الأصدقاء. كما أنها أرسلت لي نسخة عنها، ويبدو أن بعض السياسيين اللبنانيين قد ذكروا للقائد أبو عمار أخبار تلك القصيدة ، وما تلقاه من إهتمام في الأوساط الأدبية، فطلب مني ذات ليلة ومن محمود درويش ، الحضور الى مكتبه، وقد نبهني مدير مكتب القائد العام د. رمزي خوري الى أن القائد العام سيسأل عن القصيدة، فأحضرتها معي.

كان أبو عمار ينتظر سماع القصيدة ، وبحضور محمود درويش قرأتها له. ومن أبياتها التي ما زلت أحفظها:



حنو الملوك ويطلبون رضاه يختال من زهدٍ على دنياه

لا بيت، سرجٌ داره، ومروره حلم، وبغتة ضيغم مسراه

كل الشعوب توحدت في شعبه وحدوده، أنى تشير يداه

يدعونه الختيار ذاك لحكمـة وأنا كما الطفل النقي أراه

وتختتم القصيدة بالبيت التالي:

لولا جلالة قدره، ولكونه رمز الفداء، لخلتني أهواه



فانفرجت أسارير ابو عمار، وإبتسم، وقال مشيراً الى البيت الأخير: هذا هو بيت القصيد.

كان في لحظات الصفاء، وبعيداً عن الإجتماعات الرسمية، والزيارات الميدانية، يتصرف كإنسان بسيط وعادي، يحادثنا كأصدقاء، ويستمع الى آرائنا وأفكارنا، ويستمع حتى الى آخر النكات والطرف، وكان يتابع أخبار الأدباء والكتاب والفنانين وأخبار الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، وحتى آخر أخبار الشعراء الذين أطلقوا على أنفسهم "شعراء الرصيف"، وأصدروا مجلة " الرصيف" التي كان ينشر فيها الشعر الناقد، المتمرد على القوافي والمألوف ، ولا يأبه بالوقار، بل وينزع الى العبث.

كان شعراء الرصيف يرفعون شعار التمرد على المؤسسة وعلى اتحاد الكتاب، ولكنهم كانوا يحبون القائد العام. وفي لقاء جمعهم به وكنت حاضراً ، شكوا له من إهمال الاتحاد لهم وعدم إشراكهم في ملتقى قلعة شقيف الشعري. فطلب مني ان أقيم لهم أمسية في قاعة عبد الناصر في جامعة بيروت العربية . وقد اقمنا الأمسية بالفعل وحضرها القائد العام، وشارك بها نخبة منهم. ومن بين المشاركين كان علي فوده ، ورسمي ابوعلي ، وآخرون، والقوا أمام ابو عمار قصائدهم العجيبة، القصيدة المائية، وقصائد تحمل عناوين طريفة، وكان أبو عمار يبتسم، بل ويضحك ويصفق لهم .

وأحدهم قرأ قصيدة عن رأسه المحشو بالفاليوم ، وكيف أنه زهق من رأسه ، فخلعه ووضعه على الطاولة...

وعند ذلك صفق أبو عمار ضاحكا وقال له: أعد...أعد...

لقد اعتبر ابو عمار تلك الظاهرة المتمردة على الوقار ظاهرة انسانية، ورأى فيهم تيارا يحاول أن يصنع الحداثة على طريقته الخاصة، وكان يريد من حضوره الأمسية أن يؤكد لهم اعترافه بظاهرتهم.

ذلك هو وجه من وجوه ياسر عرفات الايجابية، لكنه كزعيم وقائد لم يكن يتسامح مع أولئك الذين يهددون سلطاته ، حتى لو كان بعضهم يحتذي بحذاء الثقافة والفكر.



والواقع ان هناك عشرات الحكايا والقصص والتفاصيل حول سجايا أبو عمار الانسانية، وقد حرصت على التوقف عند بعضها، آملاً أن يأتي الوقت لكتابة المزيد باعتبار ان هذه التفاصيل تمثل اضاءات على شخصية رجل ملأ الدنيا، وشغل الناس.

ولا بد قبل ان انهي حديثي ان اتوقف عند مرحلة هامة من مراحل القضية الفلسطينية، وأعني مرحلة أوسلو، ففي البداية كان اتفاق أوسلو يمثل صدفة لأنه جاء انحناءة مفاجئة في مسار العمل الفلسطيني، وأقول: لقد صدمتنا هذه الواقعية السياسية وفاجأتنا، وعبر بعضنا عن مواقف معارضة لهذا الاتفاق، وكنت من بين الذين عارضوا، وكتبت مقالة ضد اتفاق أوسلو نشرت في صحيفة "الحياة اللندنية" .

بعد نشر المقالة استدعاني الرئيس عرفات الى مكتبه، وناقشني. قال لي : اذا كان عندك عشر ملاحظات على الاتفاق فان لدي مائة ملاحظة، وأعرف انني جئت لكم بحل اعرف انكم تستطيعون ان تحولوه بالممارسة والقراءة الفلسطينية الى دولة مستقلة.... وقال: ان من لا يكون على الخارطة الآن ، لن يكون على الخارطة في القرن القادم ( كان ذلك عام 1993).... وقال: لست الزعيم الذي يضيع فرصة، وهناك قضايا عديدة عادلة لا تجد حلا، والعالم يتعايش مع عدم حلها، لكننا نريد أن نلزم المجتمع الدولي بالضغط من اجل حل عادل للقضية الفلسطينية. وفي نهاية حديثه سألني ان كنت سأعود معه الى ارض الوطن على الرغم من موقفي من الاتفاق، فأكدت له انني أول من يعود الى أرض الوطن، والعودة الى ارض الوطن كانت حلما من أحلامي.

وبالفعل عدت الى أرض الوطن قبل ان يعود الرئيس عرفات نفسه. كنت من أوائل المدنيين الذين دخلوا بعد وصول قوات الأمن الوطني الى قطاع غزة، والى مدينة أريحا. دخلت أنا والأخ روحي فتوح (أصبح رئيس السلطة المؤقت ورئيس المجلس التشريعي)، والأخ جميل شحادة أمين عام اتحاد المعلمين عبر الجسر، وكان الرئيس عرفات قد كلفنا بالدخول لترتيب بعض الأمور قبل وصوله.

ولقد حفلت السنوات العشر التي رافقنا من خلالها الرئيس عرفات في تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية، بالوقائع والأحداث، والصراع، والانتفاضة، واعادة الاحتلال، والحصار، لكن الضغط العسكري الإسرائيلي لم يتحول الى هزائم سياسية بسبب ادارة الرئيس عرفات للصراع، وتمسكه بالثوابت الوطنية، وصموده امام الضغط السياسي في محادثات كامب ديفيد، والضغط العسكري على المقاطعة.

فشل الاحتلال الأسرائيلي في تحويل الرئيس عرفات من زعيم وطني الى سعد حداد أو أنطوان لحد... لقد ظل عرفات زعيما منتصب القامة يردد مع شعبه... للقدس راجعين... شهداء بالملايين.

وما من شك في أن الرئيس عرفات قد تعرض للإغتيال عن طريق نوع من انواع السموم، وهو ما لم يذكره تقرير مستشفى بيرسي الفرنسي . اغتاله الاسرائيليون لكي يغتالوا معه الأمل.لكنه برحيله، أضاء القضية الفلسطينية من جديد ، وأبقى الباب مفتوحا أمام اعلى درجات الأمل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ندوه:القدس مفتاح الحرية والسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابـــــ فلسطين ــــــن :: •° فلسطيننا °• .. :: •° فلسطيننا °• ..-
انتقل الى: