--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
حق العودة: حق مقدس قانوني وممكن: المقدمه
شارك في تعليقك (تعليق واحد) أرسل لصديق
العودة إلى Right Of Return
مشاركة Dr. Salman Abu Sitta في تاريخ 23 نيسان، 2007
لم يحدث في التاريخ الحديث سابقة لأقلية أجنبية تغزو الغالبية الوطنية وتطردها من ديارها، وتمسح آثارها الطبيعية والثقافية، بدعم مادي وسياسي وعسكري من الخارج، وتدعى أن هذا نصر للحضارة وتحقيق لإرادة إلهية، مثلما حدث في فلسطين. ولم يحدث أن أقيمت دولة على أرض لا تملك إلا 8% منها، مثلما أقيمت إسرائيل على أرض تبلغ ملكية الفلسطينيين فيها 92% [اُنقر هنا لرؤيه خارطه توضيحيه]. ولم يحدث أن أقيمت دولة على أشلاء 531 مدينة وقرية وطرد أهلها الذين تبلغ نسبتهم 85% من سكان الأرض [اُنقر هنا لرؤيه خارطه توضيحيه] التي تحولت إلى دولة، كما حدث في إسرائيل.
هذه هي " النكبة " إذن. هي تمزيق وشائج الشعب بأرضه، و نزع الطفل من أحضان أمه. هي فصل الشعب الفلسطيني عن أرضه، وإصدار الحكم بالإبادة الجغرافية.
لكن الشعب الفلسطيني بقي متماسكاً صابراً مثابراً، خرج من غبار حروب ومعارك وغارات، شهد سقوط أنظمة وإزالة عروش واغتيال زعماء من أجل قضيته، وبقيت وحدة القرية فيه متماسكة قوية بفضل الترابط الأسري القوي، وبقيت عزيمته ثابتة بالعودة إلى الوطن: مسقط الرأس ومثوى الجدود ومسرح التاريخ، ذاك الوطن بأصغر معانيه: دار أو بئر أو تل أو جامع أو مزار أو أثر قديم.
وعندما أطلت أوسلو برأسها، استبشر الناس البسطاء خيراً. تصوروا أن العدو الذي أقام كيانه على أشلائهم، والذي استقى ماء الحياة من دماء مماتهم، قد تاب وآب إلى الطريق الصواب، وأقر بخطئه، وكفر عن ذنوبه، وسلم بأحقية الشعب الفلسطيني في أرضه، واكتفي بما التهم منها ما التهم.
ولكن سرعان ما انكشف هذا الوهم، وحلّ مكانه إحباط وخيبة أمل، بل وموجة من اليأس غمرت من لم يحمه إيمانه. لكن الشعوب تهضم هذه الصدمات، ثم تتمخض عن تجديد للعزم، وتجميع للصفوف، وإعادة للهيكلة، ثم المضي بعزم جديد وفكر جديد. ومن يقارن اليوم بين حالنا في عام 1994 وسنة 2000، ويجد هذا الطوفان من المشاعر والمظاهر الوطنية في التعبير عن حق العودة، تدهشه هذه القوة الكامنة في الشعب، ولكنه لا يستغرب وجودها فيه، وقد صبر مائة عام وهو مجاهد أو مكافحٌ أو صابر.
وخلال الأسابيع الماضية، تصلني كل يوم أخبار التنظيمات والمظاهرات والبرامج التي أعدها الفلسطينيون للتذكير بالنكبة والتأكيد على حق العودة : مسيرة أمام البيت الأبيض في واشنطن وأخرى في ميدان الطرف الأغر في لندن، ومسيرة في الأردن واعتصامات أمام البرلمانات الأوروبية ومسيرة شباب اللاجئين وأطفالهم من مخيماتهم في الضفة إلى قراهم في فلسطين المحتلة، ومذكرات إلى السفارات في دمشق، واحتجاج في بيروت؟ الخ. وهذا كله ليس بجديد في تفاصيله، ولكنه جديد في أنه ولأول مرة منظم في تنسيق مركزي باتفاق مسبق.
وهذه المقالات التي بادر منتدى الشهيد غسان كنفاني مشكوراً بنشرها هي تسجيل لهذه الظروف التي أحاطت بنا منذ أوسلو إلى اليوم، ورد على التخرصات، وكشف للأباطيل التي يسوّقها العدو، وتأكيد للحق الطبيعي لكل إنسان في بيته.
ولم يكن لهذا الكتاب أن يصدر لولا تشجيع ومبادرة المناضل الصادق الدكتور جورج حبش، الذي بقي مثل أرضنا صامداً، ومثل حقنا لا يساوم فيه. فهو الذي تكرم بدعوتي إلى دمشق لإلقاء محاضرات وإجراء لقاءات، واقترح جمع المقالات التي سبق نشرها في كتاب واحد. فله الشكر والتقدير.
في مقال (حق العودة مقدس وقانوني وممكن)، نستعرض لهذا الحق من ناحية وجدانية وقانونية، ونبين أن الإدعاء الإسرائيلي (والغربي معه) بأن العودة مستحيلة من ناحية عملية هو وهم باطل. وهذا رد على المتطبعين وأشباههم الذين عاشوا على المتاجرة ببضاعة السلام، ونظموا المؤتمرات المشتركة مع الإسرائيليين لإقناع العرب بأن ليس لهم قضية وأنه ليس للفلسطينيين فلسطين! حاولوا تدجين العرب، عن طريق الاقتصاد حيناً، وعن طريق "العلم المشبوه" حيناً آخر. وهذا ما نتعرض له في مقال آخر.
من هنا دعونا إلى التمسك بالحق الأساس، تفضيلاً وأولوية عن الحق السياسي، واقترحنا إنشاء (هيئة أرض فلسطين)، لأن الحق الأساس لا ينقضي بالزمن ولا يساوم عليه.
ولكي نقدر حجم الهوة التي أوقعتنا فيها أوسلو، نقارن في مقال (الفجوة بين الحقوق الفلسطينية واتفاق طابا أكبر من دبلوماسية الضعيف) بين الحقوق الفلسطينية المؤكدة حسب الشرعية الدولية وتلك التي تقبل إسرائيل أن تتفاوض عليها. ويكفي أن نستعرض هذه المقارنة لندرك أن أوسلو، لو بقت مقياساً لحقوقنا، لا تقل نكبتنا فيها عن نكبة 1948
ولكن يجب ألا يغمرنا اليأس. فهذا صرح الصهيونية العتيّة تبدو فيه التشققات، وإن كانت صغيرة، لكنها في ازدياد. تخلت إسرائيل عن سيناء مرتين، وهاهي تستعد لمغادرة لبنان. أنكرت إسرائيل وجود الفلسطينيين ومنظمة التحرير، وهي الآن تعترف بالاثنين. ادعت إسرائيل إنها قامت بمعجزة خارقة : شعب ضئيل مكافح هزم سبعة جيوش [اُنقر هنا لقرائة ردنا على هذه الاسطره] .اتضح الآن أن عدد القوات الإسرائيلية كان دائماً يفوق ضعف مجموع العرب، وفي المعارك يفوقهم بنسبة 4:1.
ادعت إسرائيل أن اللاجئين خرجوا طوعاً أو بأوامر من العرب [اُنقر هنا لقرائة ردنا على هذه الاسطره]. الآن يخبرنا مؤرخوهم الجدد ما كنا نعرفه من سنين. اعتبرت إسرائيل الكيبوتز عماد الصهيونية ورمز ارتباط اليهودي بالأرض. وها نحن الآن نشهد الهجرة من الكيبوتز، والإفلاس الفكري والمالي لثلاثة أرباع الكيبوتز، مما حدا بعتاة الصهيونية مثل آريل شارون إلى بيع أراضي الكيبوتز المؤجرة (وهي أراضي اللاجئين) إلى كل يهودي راغب حتى ولو لم يكن إسرائيلياً. هذا ما يعالجه المقال (إسرائيل تبيع أراضي اللاجئين).
وهناك من ضعفت هممهم أو من زاد طمعهم سواء كانوا أشخاصاً (وهم قلة) أو حكومات (وهم كثرة) واعتقدوا أنهم يكتفون من نكبة فلسطين بالإياب من الساحة محملين بغائم التعويض. في مقال (التعويض) نكشف هذا الوهم ببيان الخطة الإسرائيلية في "التعويض" التي يساندها الغرب. ويا حبذا لو قرأه كل من سولت له نفسه أن يستبدل الحقوق ببضعة دريهمات.
وبعد مرور أكثر من 50 سنة، كشفت لنا أسرار النكبة، وفتحت ملفات إسرائيلية وإنجليزية وأمريكية. وهنا نجد تضاريس النكبة وطرقها ووديانها. ونعجب من شيئين: الأول :أنه كيف لا تكون النكبة، وهذا حال الموقف العربي المنهزم قبل دخول المعركة؟ وكيف لم نصدق التقارير الأجنبية التي تنبأت بكل ذلك في مطلع عام 1948؟ والثاني: كيف أن حدس الشعب الفلسطيني وحسه الصادق كشف له بجلاء من هو العدو ومن هو الصديق، ومن هو الوطني ومن هو المتعاون مع العدو! صحيح أنه لم يملك مستندات أو وثائق. لكن ما كشفت عنه كل هذه الوثائق الجديدة لم يخرج عما كان يدركه الفلسطينيون بإحساسهم. والفرق أنهم الآن يعرفون متى وكيف. نناقش هذا الموضوع في المقال المطول (على هامش حرب فلسطين).
ويتبع ذلك كشف جرائم الحرب الإسرائيلية التي لم ينج منها لاجئ واحد عام 1948. الآن وصلت إلينا التقارير الداخلية لمراقبي الهدنة التابعين للأمم المتحدة عام 1948. ونجد بالاسم والتاريخ والعدد قصص المذابح التي اقترفتها إسرائيل، وحَكَاها الناجون منها. لم يصدقهم الغرب، بل لم يستمع لهم. وبقيت ذكرياتهم الدامية في صدورهم أو نقلوها لأولادهم أو سجلت في كتب عربية محدودة الانتشار. هنا نبين قصة (حرق أهالي الطيرة أحياء)، و(سياسة المذابح في الجليل) من واقع تقارير مراقبي الهدنة. وهناك قصص أخرى نستقيها من هذا المصدر سننشرها في المستقبل القريب.
وقد ظهر خلال الشهور الماضية كتاب مثير للدهشة والألم، اسمه "المكان المقدس"، مؤلفه ميرون بنفنستي، النائب السابق لرئيس بلدية القدس، وهو يهودي شرقي (سفاردي). يشرح المؤلف في الكتاب نكبة المكان، كيف هدموا البيوت العربية وكيف حصدوا المحاصيل وحرقوها، كيف قطعوا أشجار الزيتون والبرتقال، كيف أسكنوا المهاجرين اليهود في بيوتنا، وكيف تملك هؤلاء الفزع من ظهور عفاريت العرب في الليل، وكيف توزعت عليهم أراضينا وكيف تشاجروا من يأخذ الأفضل.. الخ. ونستقرئ من الكتاب حقيقتين: الأولى أن إسرائيل تشعر بصلف القوة بحيث تنشر ما كان مكتوماً إلا بالعبرية في نطاق محدود، والثانية أن كل ما حّدث به اللاجئون من مذابح وطرد وتنظيف عرقي هو صحيح، بل ويضيف المؤلف تفاصيل وأرقام تضيف معلومات جديدة. ولكنه، مثل غيره، يخشى إلى حد الذعر عودة اللاجئين، وينتقد ما كتبته عن أن العودة ممكنة ويصفه بأنه "ليس عقلانياً"، ويمدح العقلانيين الذين يمجدون فضائل "الواقعية". لكن المرء لا يملك إلا أن يحس بأن المغتصب لا يستبعد اليوم الذي تعود فيه الحقوق إلى أصحابها. ونعرض لهذا الكتاب في مقالة ( اعترافات المؤرخين الجدد: إسرائيل قامت بأكبر عملية تطهير عرقي).
وما زالت المفاوضات السورية الإسرائيلية، ما بين توقع لبداية، وإعلان لنهاية. وهي في مجملها تشمل الأراضي الفلسطينية المنزوعة السلاح الواقعة تحت السيطرة السورية عام 1948. وهناك غموض لدى الكثير من الناس عن ماهية هذه الأراضي وطبيعتها القانونية وتاريخها وسكانها. هنا نعرض في مقالتين (أوضاع هذه الأرض والسيادة عليها والمياه فيها وتاريخها والقيمة العسكرية لها). وقد أثار هذان المقالان اهتمام الكثيرين لقلة المعلومات المتوافرة منها.
أثناء الإعداد لهذا الكتاب، تواترت الأنباء عن الكر والفر في مفاوضات كامب دافيد الثانية، وعاش الفلسطينيون على أعصابهم، لا أملاً في سلام قائم على العدل، فيستحيل أن يسلّم الغاصب المحتل طائعاً مختاراً ويعيد الحق المسلوب، ولكن خشية من انهيار المفاوض الفلسطيني تحت الضغوط الهائلة. وبحمد الله، هذا لم يحدث.
وما نتمناه أن يستمر هذا الموقف الصامد، خصوصاً وأن الفئة المستسلمة لا تزال ذات نفوذ، ونسمع لها صوتاً نشازاً، تطرب له الدوائر الإسرائيلية والأمريكية، وتصف هؤلاء بالواقعية والعقلانية. وهذا ما حفزنا إلى إيضاح الفرق بين الحق والباطل فيما يدعيه هؤلاء، عن خبث أو جهل، في مقالين : الأول : (لمن التعويض ولماذا؟)، والثاني (حق العودة ليس قانونيا فقط بل وممكن أيضاً). والأخير مبني على دراسة مفصلة للسكان والمياه والمجتمع والاقتصاد في إسرائيل. ولا يخفي على القارئ ما تحويه السطور وما بينها.
كما لا يخفي عن القارئ اللبيب أن هذه المقالات نشرت خلال 4 سنوات، اختلفت فيها الظروف، وبقي الحق ثابتاً. وهو ما أردنا تأكيده في كل مرة. ولهذا فقد يجد القارئ تكراراً لبعض المواضيع المطروحة. ومع ذلك فقد أوجزنا بعض المقالات لهذا السبب، وأشرنا في بعضها إلى التفصيل في مكان آخر.
ونختم بالمحاضرة التي ألقيتها في منتدى الشهيد غسان كنفاني. وبغض النظر عن محتواها وردود الفعل الإيجابية لها، فإن سعادتي كانت غامرة عندما كنت أتأمل هذه الوجوه الطيبة من الناعمة والمفتخرة وبيسمون وكراد البقارة وكراد الغنامة وطبرية وصفد وعين الزيتون وسعسع وغباطية والفراضية وحطين ولوبية وناصر الدين؟ وغيرها، هذا إذا ما ذكرنا الجليل الشرقي فقط الذي هاجر معظمه إلى سوريا. رأيت الوجوه المغضنة ورأيت الوجوه الشابة، كلها تتطلع بشوق إلى الوطن، وتنصت باهتمام إلى سرد حقوقها : ما هي وكيف تُسترد؟ وآمنت مجدداً بأن الشعب الفلسطيني حيّ لن يموت، وأن حق العودة مقدس وقانوني وممكن.
سلمان أبو ستة
أغسطس/آب 2000