نزلت هذه السورة بهذا الجزم وبهذا التوكيد وبهذا التكرار . لتنهي كل قول ، وتقطع كل مساومة وتفرق نهائياً بين التوحيد والشرك ، وتقيم المعالم واضحة ، ولا تقبل المساومة والجدل في قليل ولاكثير .نفي بعد ، وجزم بعد جزم . وتوكيد بعد توكيد . بكل أساليب النفي والجزم والتوكيد .
(قل ) فهو الأمر الإلهي الحاسم الموحي بأن أمر هذه العقيدة أمر الله وحده . ليس لمحمد فيه شيء . إنما هو الله الآمر الذي لامرد لأمره ، الحاكم الذي لا مرد لحكمه .
(قل يأيها الكافرون ) ناداهم بحقيقتم ، ووصفهم بصفتهم ..إنهم ليسوا علي دين ، وليسوا بمؤمنين وإنما هم كافرون . وهكذا يوحي مطلع السورة وافتتاح الخطاب ، بحقيقة الانفصال الذي لا يرجى معه اتصال .
(لاأعبد ما تعبدون ) فعبادتي غير عبادتكم ، ومعبودي غير معبودكم .
( ولاأنا عابد ما عبدتم ) و( لا أنتم عابدون ماأعبد ) . تكرار لتوكيد الفقرة الثانية . كي لاتبقي ولا شبهة ، ولا مجال لمظنة أو شبهة بعد هذا التوكيد المكرر بكل وسائل التكرار .
(لكم دينكم ولي دين ) . إجمال لحقيقة الافتراق لاالتقاء فيه والانفصال الذي لا اتصال فيه ، والتميز الذي لااختلاط فيه .
إن التوحيد منهج ، والشرك منهج آخر .. ولايلتقيان . التوحيد منهج يتجه بالانسان إلى الله وحده لا شريك له ويحدد الجهة التى منها الإنسان – عقيدته وشريعته ، وآدابه وأخلاقه وتصوراته كلها عن الحياة وعن الوجود غير متلبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة . وبغير هذه المفاصلة سبيقي الغبش ، وتبقى المداهنة ويبقي اللبس ويبقي الترقيع . والدعوه إلى الإسلام لا تقوم على هذه الأسس المدخولة الواهنة الضعيفة .