نص السورة
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ(5)
بيان
فيها إشارة إلى قصة أصحاب الفيل إذ قصدوا مكة لتخريب الكعبة المعظمة فأهلكهم الله بإرسال طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، وهي من آيات الله الجلية التي لا سترة عليها، وقد أرخوا بها وذكرها الجاهليون في أشعارهم، والسورة مكية.
تفسير السورة
قول القرآن: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)
المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحس، والاستفهام إنكاري، والمعنى أ لم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وقد كانت الواقعة عام ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قول القرآن: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2)
المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكة وإرادتهم تخريب البيت الحرام، والتضليل والإضلال واحد، وجعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالا لا يهتدى إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة وانتهى بهم إلى هلاك أنفسهم.
قول القرآن: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3)
الأبابيل - كما قيل - جماعات في تفرقة زمرة زمرة، والمعنى وأرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرقة من الطير والآية والتي تتلوها عطف تفسير على قوله: «أ لم يجعل كيدهم في تضليل».
قول القرآن: تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ(4)
أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجيل، وقد تقدم معنى السجيل في تفسير قصص قوم لوط.
قول القرآن: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ(5)
العصف ورق الزرع والعصف المأكول ورق الزرع الذي أكل حبه أو قشر الحب الذي أكل لبه والمراد أنهم عادوا بعد وقوع السجيل عليهم أجسادا بلا أرواح أو أن الحجر بحرارته أحرق أجوافهم، وقيل: المراد ورق الزرع الذي وقع فيها الأكال وهو أن يأكله الدود فيفسده وفسرت الآية ببعض وجوه أخر لا يناسب الأدب القرآني.
إن دلالة هذا الحادث والعبر المستفادة من التذكير به فكثيرة ..
وأول ما توحي به أن الله - سبحانة – لم يرد أن يكل حماية بيته إلى المشركين ، ولو أنهم يعتزون بهذا البيت ، ويحمونه ويحتمون به . فلما أراد أن يصونه ويحرسه ويعلن حمايته له وغيرته عليه ترك المشركين يهزمون أمام القوة المعتدية . وتدخلت القدرة سافرة لتدفع عن بيت الله الحرام ، حتى لاتتكون للمشركين يد على بيته ولا سابقة في حمايته ، بحميتهم الجاهلية . ولقد كان من مقتضى هذا التدخل السافر من القدرة الإلهية لحماية البيت الحرام أن تبادر قريش ويبادر العرب إلى الدخول في دين الله حينما جاءهم به الرسول – صلى الله عليه وسلم - وألا يكون اعتزازهم بالبيت وسدانته وما صاغوا حوله من وثنية هو المانع لهم من دين الإسلام .
كذلك توحي دلالة هذا الحادث بأن الله لم يقدر لأهل الكتاب - أبرهة وجنوده - أن يحطموا البيت الحرام أو يسيطروا على الأرض المقدسة . حتى والشرك يدنسه . والمشركين هم سدنته . ليبقي هذا البيت عتيقاً من سلطان المتسلطين ، مصوناً من كيد الكائدين . وليحفظ لهذه الأرض حريتها حتى تنبت فيها العقيدة الجديدة حرة طليقة ، لايهيمن عليها سلطان ، ولا يطغى فيها طاغية ، ولا يهيمن على الأديان وعلى العباد ويقود البشرية ولا يقاد . وكان هذا من تدبير الله لبيته ولدينه قبل أن يعلم أحد أن (نبي ) هذا الدين قد ولد في هذا العام ، (عام الفيل ).
والإيحاء الثالث هو أن العرب لم يكن لهم كيان . قبل الإسلام كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة . وكانت دولتهم حين تقوم ، تقوم هناك أحياناً تقوم تحت حمايتة الفرس . وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم إما مباشرة وإما تحت حماية الرومان .. ولم ينج إلا قلب الجزيرة من تحكم الأجانب فيه .
وتحت رأية الإسلام ولأول مرة في تاريخ العرب أصبح لهم دور عالمي يؤدونه . ونسوا أنهم عرب ، ونسوا نعرة الجنس ، وعصبية العنصر ، وذكروا أنهم مسلمون فقط وحملوا ورفعوا رآية الإسلام ، وحملوا فكرة سماوية يعلمون الناس بها لا مذهباً أرضياً يخضعون الناس لسلطانه . إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .