هذه السورة تحمل هذا الإسم الخاص ( المنافقون ) الدال على موضوعها .. ليست هي السورة الوحيدة التي ذكر فيها النفاق والمنافقين ، ووصف أحوالهم ومكائدهم . فلا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين ، تلميحاً أو تصريحاً .ولكن هذه السورة تكاد تكون مقصورة على الحديث عن المنافقين . والإشارة إلى بعض الحوادث والأقوال التي وقعت منهم ورويت عنهم . وهي تتضمن حملة عنيفة على أخلاق المنافقين وأكاذيبهم ودسسائسهم ومناوراتهم . ومافي في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين .
وليس في السورة عدا هذا الموضوع إلا لفته إلى اللذين آمنوا لتحذيرهم من كل ما يلصق بهم صفة من صفات المنافقين ،وأدني درجات النفاق ( عدم التجرد لله )، والغفلة عن ذكره الإشتغال بالأموال والأولاد ، والتقاعس عن البذل في سبيل الله حتي يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه البذل والصدقات .
وحركة النفاق بدأت ( بدخول الإسلام إلى المدينة ) ، واستمرت إلى قرب وفاة رسول الله - صلى الله علية وسلم – ولم تنقطع في أي وقت تقريباً ، وإن تغيرت مضائرها ووسائلها بين الحين والحين ...هذه الحركة ذات أثر واضح في سيرة هذه الفترة التاريخية وأحداثها ، وقد شغلت من جهد المسلمين ووقتهم وطاقتهم قدراً كبيراً وورد ذكرها في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف مرات كثيرة تدل على ضخامة هذه الحركة وأثرها البالغ في حياة الدعوة في ذلك الحين .
وعلة ظهور تلك الحركة في المدينة واضحة ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمون الأولون في مكة لم يكونوا من النفوذ والقوة في حالة تستدعي وجود فئة من الناس (ترهبهم ) أو ترجو خيرهم ( فتتملقهم وتتزلف ) إليهم في الظاهر ، وتتآمر عليهم وتكيد لهم وتمكر بهم في الخفاء ، كما كان شأن المنافقين بوجه عام .ولقد كان أهل مكة وزعماؤها خاصة ينائون النبي (جهاراً ) ويتناولون من استطاعوا من المسلمين بالأذي الشديد ويقاومون الدعوة بكل وسيلة دون ما ( تحرز أو تحفظ ) وكانت القوة لهم حتي اضطر المسلمون إلى الهجرة فراراً بدينهم ودمهم إلى الحبشة أولاً ، ثم إلى يثرب .وحتى (فتن ) بعضهم عن دينه بالعنف والإكراه ، أو الإغراء أو التهويش ، وحتى تزلزل بعضهم ، وحتى مات بعض من ناله الأذى ممن ثبت على دينه نتيجة للتعذيب .
أما في المدينة فقد كان الأمر مختلفاً جداً .فالنبي –صلى الله عليه وسلم – استطاع قبل أن يهاجر أن يكسب أنصاراً أقوياء من الأوس والخزرج ، ولم يهاجر إلا بعد أن استوثق من موقفه ولم بيقي بيت عربي في المدينة لم يدخله الإسلام ،ففي هذه الحالة لم يكن من الهين أن يقف اللذين لم يؤمنوا به موقف ( الجحود العلني ) للنبي والمسلمين من المهاجرين والأنصار وكان للعصبية أثر غيرقليل في عدم الوقوف هذا الموقف ، لأن سواد الأوس والخزرج أصبحوا أنصار النبي ومرتبطين به بموقف الدفاع والنصر .
ونلاحظ أن المنافقين كانوا أقوياء بعصبيتهم ولم يكونوا مفضوحين فضيحة تامة وكان النبي محاطاً بالمشركين من كل جانب ، وأهل مكة خصومه الألداء ، واليهود في المدينة وحولها وقد تنكروا له وجاهروا بالكفر والعداء له وعقدوا عقداً بينهم وبين المنافقين ، ولم يضعف شأنهم ويخف خطرهم إلا من بعد أن مكن الله النبي من هؤلاء وأظهره عليهم وكفاه شرهم .