هذه السورة حلقة من حلقات العلاج البطيء ، المديد ، العميق ، الدقيق ، لعقابيل الجاهلية في النفس البشرية كما واجهها القرآن في مكة ، وكما يواجهها في أية جاهلية أخري في السطوح لا في الأعماق وفي الظواهر لا في الحقائق !
الحقيقة الأساسية التي تعالج السورة إقرارها هي حقيقة الآخرة ومافيها من جزاء ، ومافيها من عذاب للكافرين ، وهذه السورة تكشف حقيقة الآخرة والحقائق الأخرى التي ألت بها في الطريق إليها .
ظاهرة أخرى في هذا الايقاع الموسيقي للسورة ، الناشىء من بنائها التعبيري .. ففي المطلع ثلاث جمل موسيقية منوعة - مع اتحاد الايقاع في نهاياتها - من حيث الطول ومن حيث الايقاعات الجزئية فيها على النحو التالي :
( سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع . من الله ذي المعارج . تعرج الملائكة والروح إليه . في يوم مقداره خمسين ألف سنة . فاصبر صبراً جميلاً ) ... حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الخامس .
( إنهم يرونه بعيداً . ونراه قريباً ) ... حيث يتكرر الايقاع بمد الألف مرتين .
( يوم تكون السماء كالمهل . وتكون الجبال كالعهن . ولا يسأل حميم حميماً ) ...حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الثالث . مع تنوع الإيقاع في الداخل .
( يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه . وصاحبته وأخيه . وفصيلته التي تؤويه . ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه . كلا إنها لظى ) حيث ينتهي بمد الألف في الإيقاع الخامس كالأول .
( نزاعة للشوى . تدعو من أدبر وتولى ، وجمع فأوعى . إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ) حيث يتكرر إيقاع المد بالألف خمس مرات منهما اثنتان في النهاية تختلفان عن الثلاثة الأول .
ثم يستقيم الإيقاع في باقي السورة على الميم والنون وقبلهما واو أو باء .
والتنوع الإيقاعي في مطلع السورة عميق وشديد التعقيد في الصياغة الموسيقية بشكل يلفت الأذن الموسيقية إن ما في هذا التنوع المعقد الراقي – موسيقياً – من جمال غريب على البيئة العربية وعلة الإيقاع الموسيقي العربي . ولكن الأسلوب القرآني يطوعه ويمنحه اليسر الذي يدخل به إلى الأذن العربية فتقبل عليه ، وإن كان فناً إبداعياً عميقاً جديداً على مألوفها الموسيقي .