هذه السورة مكية قصيرة الفواصل ، سريعة الإيقاع ، كثيرة المشاهد والمواقف ، متنوعة الصور والظلال ، عنيفة المؤثرات ، وبعضها عنيف الوقع ، عنيف التأثير .
وهي تستهدف كسائر السور المكية – بناء العقيدة في النفوس ، وتخليصها من شوائب الشرك في كل صوره وأشكاله ، ولكنها بصفة خاصة تعالج صورة معينة من صور الشرك التي كانت سائدة في البيئة العربية وتكشف عن زيفها وبطلانها بوسائل شتى ..تلك عي الصورة التي كانت جاهلية العرب تستسيغها .( وهي تزعم أم هناك قرابة بين الله –سبحانه – وبين الجن وتستطرد في تلك الأسطورة فتزعم أنه من التزاوج بين الله –تعالى – والجنة ولدت الملائكة . ثم تزعم أن الملائكة إنات ، وأنهن بنات الله ) . هذه الأسطورة تتعرض لحملة قوية في هذه السورة ،فإنها تبدأ بالإشارة إلى طوائف من الملائكة : (والصافات صفا . فالزاجرات زجرا . والتاليات ذكرا ) ...ويتلوها حديث عن الشياطين المردة ، وتعرضهم بالرجم بالشهب الثاقبة كي لا يقربوا من الملأ الأعلى . ولا يتسمعوا لما يدور فيه ، ولو كانوا كما تزعم لهم أساطير الجاهلية ما طوردوا هذه المطاردة ! كذلك يشبه ثمار شجرة الزقوم التي يعذب بها الظالمون في جهنم بأنها كرؤس الشياطين في معرض التقبيح ، وفي نهاية السورة تأتي الحملة المباشرة على تلك الأسطورة المتهافتة : ( فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ) .
وتتناول السورة جوانب العقيدة الأخرى التي تتناولها السور المكية فتبث فكرة التوحيد مستدلة بالكون المشهود : ( إن إلهكم لواحد رب السماوات والأرض وما بينهما رب المشارق ...وتنص على أن الشرك هو السبب في عذاب المعذبين : ( فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون . إنا كذلك نفعل بالمجرمين )
كذلك تتناول قضية البعث والحساب والجزاء : ( وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ) . وتعرض لقضية الوحي والرسالة الذي ورد في قولهم : ( أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون ؟ )والرد عليهم : ( بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) .
وبمناسبة ضلالهم وتكذيبهم تعرض صورة من قصص الرسل : نوح وإبراهيم وبنيه وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس . تتكشف فيها رحمة الله ونصره لرسله وأخذه للمكذبين بالعذاب والتنكيل : ( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ) . وتبرز في هذا القصص قصة إبراهيم خاصة مع ابنه إسماعيل . قصة الذبح والفداء وتبرز فيها الطاعة والاستسلام لله في أروع صورها وأعمقها وأرفعها ، وتبلغ الذروة التي لايبلغها إلا الإيمان الخالص الذي يرفع النفوس إلى ذلك الأفق السامق الوضيء .
والمؤثرات الموحية التي تصاحب عرض السور وقضاياها تتمثل بشكل واضح في :
مشهد السماء وكواكبها وشهبها ورجومها : (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) . وفي مشاهد يوم القيامة ومواقفها المثيرة . وفي القصص ومواقفه ترتفع المؤثرات الموحية إلى الذروة التي تهز القلوب هزاً عميقاً .
ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة أشواط رئيسية :
الشوط الأول يتضمن افتتاح السورة بالقسم بتلك الطوائف من الملائكة : ( والصافات صفا ) . ثم تجيء مسألة الشياطين وتسمعهم للملأ الأعلى ورجمهم بالشهب الثاقبة : ( الملائكة والسماء والكواكب والشياطين والشهب ) . ثم يعرض مشهد البعث والحساب والنعيم والعذاب .
والشوط الثاني يبدأ بأن هؤلاء الضالين لهم نظائر في السابقين ويستطرد في قصص أولئك المنذرين من قوم نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس ، وكيف كان عاقبة المنذرين وعاقبة المؤمنين .
والشوط الثالث يتحدث عن أسطورة الجن والملائكة ويقرر وعد الله لرسله بالظفر والغلبه : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون )
وتنتهي السورة بتنزيه الله سبحانه والتسليم على رسله والاعتراف بربوبيته : ( سبحان رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين ) وهي القضايا التي تتناولها السورة في الصميم .