هذه السورة حلقة في سلسلة التربية الايمانية والتنظيم الاجتماعي والدولة في المجتمع المدني .حلقة من السلسلة الطويلة ، في صورة واقعية عملية . كيما يستقر في الأرض نظاماً ذا معالم وحدود وشخصية مميزة . تبلغ إليها البشريه أحياناً ، وتقصر عنه أحياناً ويقتضي هذا إعداداً طويلاً في خطوات ومراحل . هذه السورة حلقة في سلسلة ذلك الإعداد الطويل تستهدف مع غيرها ( إقامة عالم رباني خالص في ضمير المسلم ) عالم محوره الإيمان بالله وحده ، يشد المسلمين إلى هذا المحور وحده ، بعروة واحدة لاانفصام لها .ويبرىء نفوسهم من كل عصبية أخرى . عصبية للقوم أو للجنس أو للأرض او للعشيرة أو للقرابة .ليجعل في مكانها جميعاً عقدة واحدة . هي ( عقدة الإيمان بالله . والوقوف تحت راية الله . في حزب الله ) . وكان على الإسلام أن يعالج هذا كله في الجماعة التي لتحقيق منهج الله في الأرض في صورة عملية واقعية .
إن العالم الذي يريده الإسلام عالم ( رباني إنساني ) رباني بمعني أنه يستمد كل مقوماته من توجيه الله وحكمه ويتجه إلى الله بكل شعوره وعمله . وإنساني بمعني أنه يشمل الجنس الإنساني كله – في رحاب العقيدة – وتذوب فيه فواصل ( الجنس واللغة والوطن والنسب ) وسائر ما يميز إنساناً عن إنسان عدا عقيدة الإيمان وهذا هو العالم الرفيع اللائق أن يعيش فيه الإنسان الكريم على الله المتضمن كيانه نفحة من روح الله . وهكذا أنشأ الإسلام في النفوس صور جديدة ، وقيماً جديدة ، وموازين جديدة ، وفكرة جديدة عن الكون والحياة والإنسان ، ووظيفة المؤمنين في الأرض ، وغاية الوجود الإنساني . وعالج الإسلام مشكلة الأواصر القريبة والعصبيات الصغيرة . وحرص النفوس على مألوفها ليخرج بها من هذا الضيق المحلي إلى الأفق العالمي الإنساني . والسورة كلها تسير عي هذا الاتجاه حتي الآيات التشريعية التنظيمية الواردة في آخرها عن معاملة المهاجرات المؤمنات ومبايعة من يدخلن الإسلام والفصل بين المؤمنات وأزواجهن من الكفار وبين المؤمنين وزوجاتهم من الكوافر ...فكلها تنظيمات منبثقة من ذلك التوجية العام .