طرق الوالدان باب الطبيب وهم يحملان صغيرهما، وكانت الشكوى هي تأخر الطفل في الكلام والمشي، ومع هذا الخوف الشديد من جانب الوالدين حاولت تهدئتهما، وقمت بتوقيع الكشف الطبي على الطفل فوجدت الطفل مصاباً بالتخلف العقلي.. والعلاج ربما يكون محدوداً ولكن الأجدى هو الحديث عن الوقاية لأطفال الآخرين من هذا المقال..
ولنبدأ حديثنا من البداية الصحيحة؛ أي الحديث عن المخ معجزة الخالق أو ذلك الكيلو جرام - نقص أو زاد قليلاً - والذي يتكون من عدد محدد من الخلايا العصبية التي لا تملك القدرة على التجدد والتكاثر والتخلق كما هو الحال بالنسبة لباقي أعضاء الجسم وأنسجته التي دائماً تتجدد - فالإنسان يولد بنفس خلايا المخ التي يموت بها - فإذا ما تلف بعضها تأثر بهذا التلف إلى الأبد - وتكمن أهمية المخ في أنه العضو المسيطر والمتحكم في كل تصرفات الإنسان وحواسه، وبهذا يتميز عن كل الآخرين - بمعنى أنه لو كانت عين الإنسان سليمة فإن صاحبها لا يرى شيئا ما لم يكن يملك مخاً كاملاً يترجم ما رأته العين إلى شعور برؤية شيئاً محدداً.
وكذلك فلو كانت الحبال الصوتية والحنجرة سليمة ولكن كان مركز الكلام في المخ معطلاً؛ فإن المصاب لن يستطيع الكلام، وكذلك إذا كانت العظام والمفاصل والعضلات في تمام صحتها ولكن مركز الحركة في المخ معطل فلن يتحرك المصاب، ولأهمية المخ وحساسيته فقد هيأ الله له الحماية الكافية حتى لا يتلف فجأة من الخارج بجمجمة عظمية قوية مبطنة بوسادة تحتوي على محلول مائي معين ولكن الإصابة أحياناً ما تهاجم المخ من الداخل.
وللوقاية من التخلف فيجب تجنب كل ما من شأنه أن يؤثر على نمو وتخلف المخ عند الجنين بدءاً من التوسع في إنشاء العيادات التخصصية للكشف على أزواج المستقبل وفيها يهتم الطبيب المختص بالسؤال عن تاريخ عائلتي الزوجين وعن إمكان وجود طفل معاق ذهنياً فيها - مع ملاحظة أن التخلف درجات تبدأ من هذا الفتى الذي يشكو أهله من تأخره الدراسي ويصل أنواع منه إلى أقصى درجات التخلف.
فإذا وجد بإحدى العائلتين شخص كهذا فالنصيحة الصادقة هي لا زواج! ومن ناحية أخرى أثبتت الإحصاءات أن نسبة حدوث أمراض التخلف العقلي تزداد كثيراً في حالات الأقارب ولذا تمنع بعض بلاد أوربا- وبالقانون- زواج الأقارب، وبالطبع فإن هذا القانون يصعب تطبيقه في بلادنا العربية نتيجة لعاداتنا وتقاليدنا!! يأتي بعد ذلك تجنب تعريض الأم الحامل للصدمات والأشعة- ويجب على الحامل ألا تتناول أي دواء إلا بعد استشارة الطبيب فقد يضر هذا الدواء الجنين ضرراً فادحاً.
ويجب على الأم الحامل أن تبتعد عن الاختلاط بالمرضى حتى لا تصاب بمرض معد قد يؤثر على الجنين، ويحسن ويفضل أن تحصن وهي فتاة صغيرة بطعم مضاد لمرض الحصبة الألمانية!! كما يجب أن تكون الولادة تحت إشراف طبيبة متخصصة حتى يمكن تجنب مخاطر الولادة وإسعاف المولود إذا أصيب باختناق أو نزيف قد يضر مخه ضرراً فادحاً.
أما عن العلاج بالنسبة للطفل المتخلف عقلياً فإنه محدود جداً فالضرر لا إصلاح ولا جدوى من العلاج باستخدام العقاقير الطبية شراباً أو حقناً فالخلية الميتة في المخ لا تبعث للحياة ثانية ولا تستبدل - وكل ما يمكن عمله هو محاولة جعل الطفل يستفيد من الجزء الباقي من مخه بأقصى استفادة وهذا بانضمامه إلى مراكز التدريب المعوقين على بعض الحرف التي تتماشى مع درجة تخلفهم العقلي ومع هذا عزيزي الأب وعزيزتي الأم فنحن لا نفقد الأمل وما عرضناه هنا هو مجرد الجانب العلمي ولكن قدرة الله ولطفه بمثل هؤلاء الأطفال كبير وكل يوم يوجد هناك الجديد في عالم الطب فنحن في انتظار كل ما هو جديد في عالم الطب من أجل إسعاد مثل هؤلاء الأطفال وإسعاد ذويهم كذلك.
متمنياً للجميع موفور الصحة والعافية.