بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء وإمام المرسلين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلي آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم علي ملته وسنته بإحسان إلي يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين ،
وبـعــــد
فيقول ربنا تبارك وتعالي :
" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياما معدودات ، فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر ، وعلي الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، فمن تطوع خيرا فهو خير له ، وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان ، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، ومن كان مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون" " البقرة 183 ــ 185 "
وتروي السنة النبوية المطهرة أن شهررمضان شهر معظم ، لأن الكتب السماوية إنما نزلت فيه ،،
فقد روي ابن عباس رضي الله عنهما من حديث وائلة بن الأسقع أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :
{ أنزلت صحف ابراهيم في أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان } .
وعلي هذا فهو شهر مفضل علي سائر شهور السنة في كل الشرائع ، ومعظم عند كل الناس ،
وروي العلماء أن الصيام كتب علي أهل الملل السابقة ، فكان ركنا في كل منها ، لأنه من أقوي العبادات ، وفي إعلام الله تعالي لنا بأنه فرض علينا كما فرض علي الذين من قبلنا إشعار منه سبحانه وتعالي بوحدة الدين في أصله و في مقصده ،
وقد روي أن الصيام كان مفروضا علي بني اسرائيل ، وكان نبيهم موسي عليه السلام يصوم ثلاثين يوما من كل عام ، غير أن اليهود تركوا صيام رمضان إلي صيام يوم واحد في العام كله ( يوم عاشوراء ) زعموا أنه اليوم الذي نجي الله تعالي فيه موسي عليه السلام وبني اسرائيل من الغرق ، وأغرق فيه فرعون وجنوده ،
أما النصاري ، فظلوا يزيدون فيه يوما قبله ويوما بعده ، حتي بلغوا فيه خمسين يوما ، فصعب عليهم صيامه في الحر ، فنقلوه إلي زمن نزول الشمس برج الحمل ، وجعلوا بداية صيامهم في الربيع .
وقال بعض السلف :
وعد الله تعالي موسي عليه السلام ثلاثين ليلة ، أن يكلمه علي رأسها ، فصام ثلاثين يوما ، ثم وجد من فيه خلوفا ، فلم يرد أن يناجي ربه علي تلك الحال ، فأخذ سواكا ، فاستاك به ، فلما أتي لموعد الله تعالي إياه ، قال له :
" يا موسي أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندنا من ريح المسك ، ارجع فصم عشرة أخري " .
ويذكر ابن كثير رحمه الله تعالي في ( البداية والنهاية ) عن صدقة الدمشقي أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الصيام ، فقال :
لأحدثنك بحديث كان عندي في البحث مخزونا ، إن شئت أنبأتك بصوم داود ، فإنه كان صواما قواما ، وكان شجاعا لايفر إذا لاقي، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { أفضل الصيام صيام داود } ، وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا يكوّن فيها ، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ، ويبكي ببكائه كل شيء ، ويصرف بصوته الهموم والحموم .
وإن شئت أنبأتك بصوم ابنه سليمان ، فإنه كان يصوم من أول الشهر ثلاثة أيام ، ومن وسطه ثلاثة أيام ، ومن آخره ثلاثة أيام ، يستفنح الشهر بصيام ، ووسطه بصيام ، ويختمه بصيام .
وإن شئت أنبأتك بصوم ابن العذراء البتول عيسي بن مريم عليه السلام ، فإنه كان يصوم الدهر ، ويأكل الشعير ، ويلبس الشعر ، يأكل ما وجد ، ولايسأل عما فقد ، ليس له ولد يموت ، ولابيت يخرب ، وكان أينما أدركه الليل صفن بين قدميه ، وقام يصلي حتي يصبح ، وكان راميا ، لايفوته صيد يريده ، وكان يمر بمجالس بني اسرائيل ، فيقضي لهم حوائجهم .
وإن شئت أنبأتك بصوم أمه مريم بنت عمران ، فإنها كانت تصوم يوما وتفطر يومين ،
وإن شئت أنبأتك بصوم النبي العربي محمد صلي الله عليه وسلم ، فإنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، ويقول { إن ذلك صوم الدهر } .
وفي حديث أبي مالك الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أن زكريا عليه السلام قال لبني اسرائيل :
{ آمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة ، معه صرة ، فيها مسك ، فكلهم يعجبه ريحه ، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك } خرجه الترمذي .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه ، أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :
{ صام داود نصف الدهر ، وصام ابراهيم ثلاثة أيام من كل شهر ، صام الدهر ، وأفطر الدهر } .
الفرق بين الصوم والصيام :
الصوم لغة : هو الإمساك ، والإمتناع عن شيء ما ،
الصوم شرعا : هو الإمتناع عن الكلام ،
قال تعالي علي لسان مريم عليها السلام :
" إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " مريم 26
وقد يشمل الصوم أيضا الإمساك عن الطعام ،
الصيام في الشرع : إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة، فهو إمساك المكلف بالنية عن الطعام والشراب والشهوة من الفجر إلى المغرب.
وإذن فالصيام في الشريعة الإسلامية المحمدية ، هو إمساك المسلم المكلف الخالي من الموانع عن شهوتي البطن والفرج لزمن محدد في اليوم والليلة ،،
وهو من مطلع الفجر حتي غروب الشمس في كل يوم من أيام شهر رمضان ، تعبدا بالفريضة فيه ، أو تنفلا وتطوعا في غيره ،
مع استثناء بعض الأيام المعينة التي لا يجوز فيها الصيام ، من مثل يوم عيد الفطر ، ويوم عيد الأضحي ، ويوم عرفة للواقفين بعرفة .
وللصيام شروط وجوب ، وشروط صحة ،
فأما شروط الوجوب فهي أربعة :
الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والقدرة علي الصيام ،
وأما شروط الصحة فهي أربعة أخري :
1 ـ أن تقع النية في وقتها ،،
( في الفرض : من غروب الشمس إلي طلوع الفجر الصادق )
( في النفل : تصح نهارا بشرط أن تكون قبل الزوال ، وبشرط عدم الإتيان بمناف للصوم قبل
النية ) .
2 ـ أن يكون الوقت قابلا للصوم ، فلا يصح صيام يوم العيد مثلا .
3 ـ التمييز .
4 ـ نقاء المرأة من الحيض ومن النفاس .
وأقسام الصيام أربعة :
1 ـ صيام مفروض : كصيام شهر رمضان ، وصيام الكفارات ، وصيام النذر .
2 ـ صيام مسنون : كصيام ستة أيام من شوال ، وصيام يومي الإثنين والخميس من
كل أسبوع ، وصيام الثلاثة البيض من كل شهر عربي وهي أيام
( 13 ، 14 ، 15 ) ، وصيام يوم عرفة لغير الحاج ، وصيام
التاسع والعاشر من المحرم .
3 ـ صيام مكروه : كصيام يوم الجمعة منفردا ، وصيام يوم أو يومين قبيل شهر
رمضان مباشرة ، وصيام اليوم الثلاثون من شعبان في حالة عدم
ثبوت رؤية هلال شهر رمضان في التاسع والعشرين من شوال
بسبب غيم أو نحوه ، وصيام الوصال، وصيام أيام الدهر جميعا
دون إفطار فيها ، وصيام المسافر والمريض والحامل والمرضع إذا
خيفت منه مشقة شديدة أو ضرر ، وصيام الضيف بغير إذن المضيف
4 ـ صيام محرم : كصيام اليوم الأول من أيام عيد الفطر وعيد الأضحي ، وصيام اليوم
الثاني والثالث والرابع من أيام عيد الأضحي إلا لمن وجب عليه
الصيام في الحج بدلا من الهدي ، وصيام المرأة نفلا بغير إذن زوجها
الحاضر ، وصيام المريض الذي يخشي عليه من الهلاك .
والله أعلي وأعلم ، والحمد لله رب العالمين .