لن تكتمل فرحتنا .. إلا بتحرير أقصانا وأسرانا

لم يكد المواطن الفلسطيني يصدق نفسه وهو يتجول بين أنقاض المغتصبات التي دمرها الاحتلال قبل رحيله عن غزة ، هذه المغتصبات التي بنيت بطريقة أمنية محكمة حيث ظن بانوها أنها ما نعتهم من قدر الله ، مانعتهم من ضربات المقاومة ، الاستشهاديين ، والمقتحمين ، وحرب الأنفاق ، وصواريخ القسام التي أقضت مضاجهم وحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق فاندحروا أذلاء صاغرين يجرون أذيال الخزي والعار ، والتاريخ يعيد نفسه فقد أخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة بعد أن خانوا الله ورسوله ونقضوا العهود والمواثيق وها هم يعودون إلى سالف عهدهم فكان إجلاؤهم عن أرض غزة هاشم ، والمتأمل في أوائل سورة الحشر يرى وكأن القرآن يتنزل من جديد في بني صهيون " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" الحشر 2 .

في زمن الانتصار الفلسطيني الذي أوجد توازن الرعب في ظل غياب توازن القوى تنتصر الإرادة على الدبابة والطائرة ، ينتصر الكف على المخرز ، في زمن البطولة والإقدام قدّم الشعب أغلى ما يملك قادته ومجاهديه الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين وعلى رأسهم إمام الأمة الشيخ أحمد ياسين ، فحق له اليوم أن يفتخر بهذا النصر المبين .

إن انتصار شعبنا الفلسطيني باندحار العدو الصهيوني لم يكن إلا بصمود أسرانا البواسل من الرجال والنساء في سجون الاحتلال الذين يرون اليوم حصاد صبرهم وثباتهم وجهادهم ، ونقول لهم والله لن تكتمل فرحتنا إلا بتحريركم من الأسر ولن تقر أعيننا إلا أن تشاركوا شعبنا فرحتهم فهذا هو يوم النصر الحقيقي بإذن الله تعالى
هؤلاء إخواننا الأسرى من المفترض أن يخرجوا بعد رحيل الاحتلال عن غزة مباشرة فها هو الاحتلال قد انسحب فلا معنى لبقاء الأسرى في السجن ، وهذا ما أقرت به الأعراف الدولية والأمم المتحدة ، ولكن اليهود بطبيعتهم لا عهد لهم ولا ذمة " أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ" البقرة 100.

فالمقاومة التي أخرجت اليهود من غزة لقادرة بإذن الله أن تخرج المعتقلين من سجونهم وما ذلك على الله بعزيز .

إن الاندحار الصهيوني كان بسبب صمود شعبنا وثباته خاصة الأمهات اللواتي قدّمن أولادهن في سبيل الله فمنهم الشهيد ، ومنهم المعتقل والجريح أو المعاق أو المبعد خارج الوطن .

فهنيئاً في يوم الانتصار لأمهات الشهداء وأسر الشهداء والمعتقلين ، وتحية إكبار وإجلال لكل أبناء شعبنا الذين كسروا شوكة الاحتلال وأرغموه على الانسحاب .

إنه وفي هذا اليوم الأغر فإن شعبنا لا يقبل أن يكون الانسحاب منقوصاً بل يجب أن يكون شاملاً للجو والبر والبحر وهذا محل إجماع لدى شعبنا الفلسطيني وكل فصائله المقاومة فلا معنى للإنسحاب مع بقاء ولو يهودي واحد على معبر رفح ولو كان مراقباً فهذا يعنى أن الاحتلال لا يزال قائماً يتحكم في رقابنا ووجود الأسرى خاصة من قطاع غزة في السجون الإسرائيلية فالاحتلال لا زال باقياً ، وبقاء الطائرات تحوم فوق سماء غزة فالاحتلال كذلك لا زال باقياً ويبدو أن العدو الصهيوني مصمم على ذلك فسلاح الجو الصهيوني يخطط لبقاء السقف الإلكتروني في سماء غزة على غرار السور الإلكتروني الذي يسمح له برقابة متواصلة على غزة من الجو والبحر ، وستكون طائرات بدون طيار من طراز ( ماحتس ) مخصصة لهذا الغرض على ارتفاع 10 كم والتي ستحل محل دوريات الجيش الصهيوني في القطاع .

من أجل ذلك فعلى شعبنا أن يحافظ على استمرارية مشروع المقاومة والعمل على تطويره ومساندته بكل الوسائل والإمكانات المتاحة حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني ، ولأننا أمام عدو لا يفهم إلا لغة القوة خاصة أنه يتمادي في تعميق الاستيطان في الضفة وبناء الجدار العنصري ، وتهويد بيت المقدس ، ولا ينفك ليل نهار عن قتل واغتيال مجاهدينا من كل الفصائل الفلسطينية .

لذا فإن دعوات التحريض على المقاومة ونزع سلاحها وخاصة على حماس والتي يقودها بوش وشارون وشالوم ورايس ومن لف لفهم من أبناء الجلدة والعشيرة ، دعوات رخيصة هدفها إغراق الساحة الفلسطينية بالدماء ، وهذا هو أحد سيناريوهات الانسحاب الصهيوني التي يخطط لها شارون ، ورغم ذلك فها هو الانسحاب قد تم والشعب الفلسطيني يقيم احتفالاته داخل المستوطنات المحررة ، ولن يكون ما أرادت أمريكا وإسرائيل " وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ " فاطر 43.

وأما الركيزة الثانية فيه المحافظة على الوحدة الوطنية لتكون صمام الأمان في المحافظة على إنجازات الشعب الفلسطيني والذي توج بهذا الانتصار العظيم والعمل على مواصلة الطريق بالتفاهم والحوار والبناء بين أبناء شعبنا الفلسطيني والذي سيكفل استمرار مسيرة التحرير لكل ترابنا الفلسطيني الطاهر " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ " الصف 4.

وأما الركيزة الثالثة فهي الانعكاف على بناء الوطن ، بناء ما دمره الاحتلال فشعبنا يملك من القدرات والطاقات والإمكانيات الهائلة التي تؤهله لإعادة البناء والتعمير ، فالمغتصبات الصهيونية التي رحل عنها اليهود تشكل 35 % من مساحة قطاع غزة فلو استغلت استغلالاً حسناً فسوف نبني بيوتاً لكل الذين هدمت بيوتهم ، سنبني لكل أسر الشهداء والمعتقلين ، سنشيد المصانع لتشغيل عمالنا العاطلين عن العمل ، سنبني المستشفيات والجامعات والمساجد والمؤسسات ، والمراكز العلمية والتثقيفية .

رابعاً وأخيراً لا بد من تفعيل الدور العربي الإسلامي للمساهمة في بناء الوطن وفتح آفاق عربية وفلسطينية لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني ودعم صموده ، إن القضية الفلسطينية بعمقها الإسلامي والعربي ليست للفلسطينيين وحدهم بل هي أمانة في أعناق المسلمين جميعاً من أجل دعم جهاد الشعب الفلسطيني والوقوف بجانبه حتى نيل كامل حقوقه المغتصبة ، وهذا يتطلب وقف كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يحضّر نفسه لمزيد من التطبيع بعد الانسحاب من غزة كما فعلت باكستان وللأسف ، فبناء العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء مع العدو الصهيوني .. يعد ضربة خطيرة في ظهر القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " .
قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ