يشكل المعاقون نسبة لا بأس بها من مجتمعنا، ولهم الحق في الحصول على كافة الحقوق التي يتمتع بها الشخص المعافى. ويشكل واقع الإعاقة في فلسطين تحدياً لكل من يعمل في هذا المجال." فلسطين " كان لها هذا اللقاء مع الدكتور علام جرار- مدير برنامج التأهيل المجتمعي ومدير مركز فرح لتأهيل المعاقين.
يوضح د. علاّم بأن الإعاقة هي حالة تسبب خللاً معيناً في أحدى وظائف الجسم والتي تعيق أو تحد من قدرة الشخص المُصاب أو المعاق على أداء مهامه الحياتية بشكل مستقل. وهناك ثلاثة أنواع من الإعاقات: حركية وحسية وذهنية وهي ما لها علاقة بالقدرات العقلية.
ويستكمل د. جرار:" وهناك تعريف آخر لمنظمة الصحة العالمية WHO ظهر في أوائل الثمانينات ولا يزال يُعمل به ويقسم الإعاقات إلى ستة أنواع، وهو يُحدد الإعاقة باعتبارها صعوبة معينة لدى الشخص تحد من إمكانية أدائه لمهام حياته اليومية، فهناك صعوبة الحركة، وصعوبة النطق واللغة، وصعوبة السمع، وصعوبة الإبصار، وصعوبات التعلّم المختلفة، والسلوك الغريب وهو ما له علاقة بالأمراض العُصابية، والتشنجات.
هناك تغيير حدث في الفترة الأخيرة، ففي الإعلان العالمي لحقوق المعاقين يتحدث الإعلان عن تقسيم شبيه لتقسيم منظمة WHO ويتناول الإعاقة كصعوبة من منظور اجتماعي بمعنى أن المجتمع يُساهم في التعويق ويعتمد المفهوم على معايير تتعلق بنوعية الحياة للأشخاص المعاقين وارتباط ذلك بقدرتهم على أداء أنشطة الحياة المختلفة لديهم سواء تعليم، عمل، حقوق في الحصول على الخدمات الاجتماعية...."
ومن جهته بين د. جرار أن الإعاقات ترجع لأسباب عديدة أهمها:
1. الأسباب الوراثية وهي ما لها علاقة بأمراض معينة تنتقل بالوراثة عبر الجينات وتؤدي إلى إصابات متنوعة. وينطبق الأمر على معظم أنواع الإعاقات سمعية، بصرية، ذهنية، نُطقية.
2. أسباب تأتي من البيئة المحيطة مثل الأمراض المختلفة التي تؤدي إلى إعاقات مثل مرض الشلل الدماغي، شلل الأطفال، نقص فيتامين ( أ )، التهابات الأذن الوسطى التي قد تؤدي إلى تلف العصب السمعي وهذه الأمراض لا علاقة للوراثة بها.
3. الحوادث المختلفة تؤدي لإصابات في وظائف معينة مثل إصابات النخاع الشوكي أو إصابات الدماغ ، حوادث إطلاق النار أو حوادث السيارات، وهناك الحوادث السياسية مثل الحروب والنزاعات.
4. الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكري، حيث تؤدي مضاعفاتها إلى إعاقات.
5. ظروف البيئة النفسية التي ممكن أن تؤدي إذا تفاقمت إلى حدوث إعاقات ومعيقات ذات طابع نفسي. وهذا السبب عليه علامة سؤال، هناك اجتهادات في العالم إن الأمراض النفسية والعُصابية، بحكم البيئة المحيطة، قد تؤدي إلى إعاقة، إذ إن المرض النفسي في حال عدم وجود وقاية وتفاقم في المشكلة بدون التدخل فيها قد ينتقل إلى مرض عُصابي مثل انفصام الشخصية. وهذا اجتهاد في العالم أن الصحة النفسية أحد مكونات الإعاقة إذا تفاقمت(الموضوع جديد ويدور حوله نقاشات).
وعن واقع الإعاقة في فلسطين أشار د. علام أنه حسب تعداد المساكن والسكان الذي قام به مركز الإحصاء الفلسطيني في 1996 والذي شمل الإعاقة في الإحصاء، بلغت نسبة الإعاقة 1.9 % في فلسطين ( وهي تشمل الضفة وغزة والقدس)، كما بين د. علام أن هذا الرقم عليه علامة سؤال، إذ يوجد اعتباران مهمان جداً الأول: ما هي المعايير التي اعتمدها المركز في تحديد أنواع الإعاقات، والثاني هل تم التصريح من قبل الناس الذين سئلوا عن الإعاقات الموجودة لديهم أم لا، لأن بعض الناس تخفي إذا عندهم إعاقة، بالتالي فإن هذا الرقم بحاجة لفحص.
هناك تحديث للمعلومات فحسب إحصاء 2006 والذي تم بنفس المعايير السابقة بلغت نسبة الإعاقة 3 % من مجمل السكان في فلسطين، لكن الرقم العالمي المستخدم 5 - 10 % من سكان العالم لديهم إعاقات، وهذا ضمن معايير ربما تختلف عن المعايير المستخدمة في فلسطين.
مع ذلك يجري الآن التحضير لتعداد المساكن والسكان وضمن الأسئلة موضوع الإعاقة وهناك سؤالاً يتم استشارتنا بخصوصهما؛ الأول حول تحديد المعايير المتعلقة بالإعاقة ، والثاني إعطاء رقم إحصائي دقيق لنسبة الإعاقة في فلسطين.
" يُعتقد أن هذا الرقم ( 3% ) متواضع جداً " كما قال د. جرار ولكن الأمر يعتمد على الإحصاء العام المنوي إجراؤه هذه السنة.
وبالنسبة لطرق الوقاية المستخدمة على الصعيد الفلسطيني ذكر د. جرار الطرق التالية:
1. الوقاية الأولية وهي تبدأ من فحص الجينات لكل من الأم والأب قبل الحمل، فوجود جينات غير متطابقة يؤدي إلى حدوث الإعاقة مثل الحالات المنغولية ( متلازمة داون )، كما أن وجود صفات متنحية قد يؤدي لظهور الإعاقة مثل الثلاسيميا وهذا يسمى التدخل المبكر من أجل منع حدوث الإعاقة.
2. أثناء فترة الحمل من خلال سياسات الوقاية المتبعة خلال الحمل والولادة، وتتم التدخلات من قبل مراكز رعاية الأمومة والطفولة. الاهتمام بكل شيء له علاقة بأنواع الشلل الدماغي فمثلاً الطفل غير مكتمل النمو احتمالية الشلل الدماغي عنده أكبر من الطفل العادي، فإذا حدث تدخل أثناء فترة الحمل يحد من إمكانية حدوث الشلل الدماغي، وخلال الولادة إذا تمت الولادة بشكل صحيح وطبيعي نقلل احتمالية خطر الشلل الدماغي، وخلع الكتف، وخلع الورك الولادي.
3. الفحص الوقائي في الأيام الأولى من عمر الطفل لاكتشاف الإعاقة مبكراً والتدخل المبكر فيها، مثلاً اكتشاف خلع الورك الولادي ومشاكل النمو المختلفة عند الأطفال مثل مشاكل السمع والإبصار إذا حدث اكتشاف مبكر لا تحدث إعاقة.
4. التدخل المبكر للأطفال من خلال التطعيم مثل تطعيم الحصبة ( التي قد تسبب العمى) وشلل الأطفال.
5. التحويلات التي تتم من خلال سياسات الاكتشاف المبكر للإعاقة بشكل عام ومحاولة إجراء تدخل طبي إذا أمكن من أجل منع حدوث الإعاقة.
يتم إجراء تحويل مبكر حتى لا يحدث تفاقم للإعاقة مثل فتحة الظهر spina bifida ، وتدخل مبكر وسليم حتى لا تحدث تعقيدات ولا تتلف للكلى ولا يتفاقم الكيس لأنه يؤذي حركة الأعصاب السفلى، ومن ناحية التدخل الجراحي تحافظ الأعصاب على قدرة المشي، وإجراء تمرين للمرضى الذين يعانون من فتحة الظهر حتى يصبح التحكم في عملية التبول أفضل.
6. التدخل من أجل عدم تفاقم حالة الإعاقة مثلاً التدخل التأهيلي من قبل خدمات ومؤسسات وبرامج التأهيل المختلفة هدفه الأساسي حتى لا تصبح الإعاقة أسوأ .
أما عن كيفية تصرف الأهل في حال وجود شخص معاق فقال د. جرار:" أولاً: يجب أن نذكر واقع المجتمع الفلسطيني، أهم شيء هو أنه لا يوجد وعي كاف لدى الناس حول الإعاقة، وهذا أخطر ما في الموضوع. ثانياً: لا يوجد نظام صحي مترابط ومتماسك لاكتشاف حالات الإعاقة بشكل مبكر ويقوم بالتدخلات السريعة مع الأسر.
ثالثاً: هناك النظرة السلبية للإعاقة، بالرغم من وجود تغيير في نظرة الناس تجاه الإعاقة ولكن ليس بالقدر الذي نطمح له، إذا الأهل عندهم معاق وكأن مصيبة وقعت على رأسهم، وهناك نظرة سلبية ذات منحى اجتماعي أعمق خاصة إذا كان الشخص المعاق فتاة، حيث يصبح الوضع أصعب.
وأخيراً نظام الدعم الاجتماعي والخدمات الاجتماعية والتأهيلية يترك الأهل فريسة للمشعوذين، وللحزن، والألم والفقر لأن الإعاقة تسبب فقراً.
ولا ننسى أن الاحتلال معيق لتطور الخدمات الصحية، وللتنمية الاجتماعية في فلسطين. وأهم شيء المعيقات الجغرافية التي يضعها الاحتلال فتمنع انتقال المرضى ووصولهم للخدمات أو وصول الخدمات إليهم. كما أن الاحتلال أفقر الناس بالتالي عدم وجود إمكانية لدى الناس، لشراء الخدمات، والفقر عامل مهم في الموضوع.
أهم عنصر من عناصر تكوين الخدمات التأهيلية في فلسطين أن الغالبية منها تقريباً 80% هي خدمات غير حكومية أو خاصة، والخدمات المقدمة من الحكومة لا تتجاوز 20% لعدم وجود إرادة سياسية للعمل مع المعاقين، والشيء الآخر نظام التأمين الصحي الحكومي يشمل جزءاً محدوداً من هذه الخدمات، وتكاليف العلاج والمتابعة عالية وجزء كبير منها يتحمله الناس( المعاقون وأُسرهم) وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تؤدي لتفاقم الإعاقة. المؤسسات الأهلية تدعم وتساعد الناس وتغطي الفجوة الكبيرة التي خلقتها الحكومة خلال 15 سنة الماضية، ولكن هذا لا يكفي. برنامج التأهيل يجب أن يكون برنامجاً وطنياً شاملاً تطّلع الحكومة بمسؤوليته بالتعاون مع المؤسسات الأهلية وتستطيع الحكومة التعاقد مع المؤسسات الأهلية لشراء الخدمة منها، المهم أن تكون لصالح المعاقين، مثل بعض الدول، حيث يقوم المريض بشراء الخدمة وتغطيها الحكومة.
وأما عن المراكز المتوفرة التي تقدم خدمات لهذه الفئة فأشار: " يتوجه الناس إلى برامج التأهيل الموجودة في 50% من المواقع السكانية في فلسطين في كل من الضفة وغزة، ومراكز التأهيل الموجودة في المدن مثل مركز فرح، كذلك التوجه للمراكز الوطنية مثل الأميرة بسمة وجمعية بيت لحم العربية للتأهيل، لكن من أجل تنظيم عملية التأهيل المفروض وجود برنامج يصل للناس والأسر حتى يعرف الناس أين يتوجهوا. أهم عامل لتطوير خدمات التأهيل هو تطوير نظام للتحويل للوصول إلى أكبر قدر من الناس وحتى يحصلوا على المعلومات، من المهم وجود نقطة اتصال بين الناس وبين مراكز التأهيل لمعرفة أين تذهب وكيف تحصل على الخدمات.
وعن أهم المعوقات التي تواجههم ذكر د. جرار العوائق التالية: السياسة، الاستثمار الحكومي في الخدمات التأهيلية، ضعف الحكومة في البلد بشكل عام ومنها التأهيل، عائق النظرة الاجتماعية. لكن في المقابل هناك نقاط قوة للفلسطينيين:
* هناك نظرة حقوقية للأشخاص المعاقين تطورت في السنوات الماضية.
* هناك قانون لحقوق المعاقين المفروض أنه ملزم للدولة.
* هناك حركة للإعاقة، هناك منظمات خاصة بهم لحد ما، وهم قوة ضاغطة ومؤثرة ولهم صوت مسموع لدى صُنّاع القرار مثل الاتحاد العام للمعاقين.
* العمل التأهيلي فيه حيوية وفعالية ونوع من التجديد بسبب أن هذا القطاع أكثر عامل مؤثر فيه المؤسسات الأهلية ( مؤسسات المجتمع المدني ).
خلال 15 سنة استطاع الفلسطينيون عمل نماذج فعالة وناجحة في:
- التأهيل المبني على المجتمع المحلي.
– دمج الأطفال المعاقين في العملية التعليمية ( وهذا ضعيف في الدول العربية ) تقريباً 80% من الأطفال المعاقين في المدارس العادية وهذه نماذج ناجحة في المنطقة العربية وعالمياً.
طموحكم...
وفي الختام وجه د. علام شكراً للعاملين بتقديم الخدمة وتطوير واقع التأهيل في فلسطين، والضغط باتجاه تطبيق بنود قانون حقوق المعاقين.
لكن لا يوجد رضا، احتياجات المعاقين أكبر بكثير من قدرة قطاع التأهيل لتلبيتها، حقوق المعاقين لم يتم تلبيتها من قبل الحكومة وحقوقهم في التعليم والعمل والصحة لا تزال بعيدة المنال.