لاشك أن الجميع قد صدم من أحداث العنف التي وقعت أثناء لقاء قطبي جزيرة صقلية كاتانيا وباليرمو في الدوري الإيطالي، والتي أودت بحياة شرطي وأدت إلى إصابة مئة شخص بينهم شرطي آخر بين الحياة والموت.
فلم يكن أحد يتوقع أن مباراة كرة قدم أياً كانت أهميتها أو حساسيتها ستنتهي هذه النهاية الدموية، ومازاد الأمر مرارة أن الشرطي القتيل والذي يبلغ من العمر 38 عاماً ويدعى فيلبو راشيتي لم يقتل جراء اشتباك مع الجماهير أو جراء سقوط حجر أو كرسي تم خلعه من المدرجات المشتعلة عليه، ولكنه قتل بعد أن ألقى أحد المشجعين في وجهه قنبلة يدوية.
والحقيقة أن من يتابع الكرة الأوروبية عن كثب في الآونة الأخيرة يجد أن العنف في الملاعب الأوروبية يسير من سيئ إلى أسوء.
فقبل أيام أصدر الاتحاد الأوروبي قراره الهام باستبعاد فريق فينورد روتردام من دور الـ 32 لكأس الاتحاد الأوروبي بعد أحداث العنف والشغب التي وقعت في استاد روتردام في مباراة فينورد ونانسي الفرنسي في الدور الأول من المسابقة والتي امتدت إلى الملعب.
وما يدل على استفحال الأزمة أن العقوبة الأولى التي أقرتها لجنة الجزاءات بالاتحاد الأوروبي كانت تغريم فينوورد 200 ألف يورو، إلا أن مجلس الرقابة والانضباط التابع للاتحاد الأوروبي استأنف هذه العقوبة لتنزل بفينوورد العقوبة الأشد في تاريخ المسابقة، ويومها قال وليام جيلارد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي:" حقيقة أن استئنافنا قرار مجلس الرقابة والانضباط يظهر أننا لسنا سعداء بالعقوبة الأولى غير الصارمة، لأن الجميع يتحدثون عن عدم التهاون مع مثل هذه الأحداث".
سجل حافل بأحداث العنف
وهذه ليست هي الحادثة الأولى التي تقع مؤخراً، فإيطاليا نفسها كانت مسرحاً لحادثة لا تقل عنفاً عن موقعة جزيرة صقلية، ففي إحدى مباريات فرق الهواة والتي يشرف عليها الاتحاد الإيطالي قتل مسؤول في فريق سامرتينسي وذلك أثناء مشاجرة حدثت بعد أنتهاء مباراة كان فريقه طرفا فيها.
وقتها قال بانكالي الرئيس المفوض للاتحاد الإيطالي:"لابد من وقفة جادة في الملاعب الإيطالية حتى لا يستفحل الأمر". ولكن للأسف يبدو أن هذه الوقفة لم تحدث من الأساس والدليل ماحدث في استاد مدينة كتانيا.
والغريب والمثير في الوقت نفسه أن حوادث العنف التي وقعت في الفترات الأخيرة، تركزت معظمها في الدول الأوروبية الكبيرة، فلم تعاني هولندا أو إيطاليا وحسب، بل إن فرنسا عانت بشدة من الحوادث المأساوية في المدرجات، ففي كأس الإتحاد الأوروبي وأثناء مباراة كان أحد طرفيها فريق باريس سان جيرمان وكانت تجري أحداثها على أرض استاد باريس أطلق أحد ضباط الشرطة المكلفين بحراسة الجماهير النار على أحد المشجعيين فأرداه قتيلاً. يومها ثار الرأي العام بشدة في فرنسا، خاصة وأن الحكومة الفرنسية كانت قد أنفقت الكثير لتأمين الملاعب ويكفي أن نعلم أن الأستاد الذي وقعت فيه تلك الحادثة كان مزود بـ 102 كاميرا للمراقبة.
أما في ألمانيا فقد تجاوزت حوادث الشغب والاحتكاكات بين الجماهير كل الخطوط الحمراء، حيث اعتقل أكثر من 40 شخصا خلال اشتباك مجموعة من المشجعين الألمان مع رجال الشرطة خلال المباراة التي فاز فيها المنتخب الألماني على مضيفه السلوفاكي 4/1 ضمن التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس الامم الاوروبية 2008.
وجاءت تلك الأحداث بعد يومين من إصابة مساعد حكم في المباراة التي جمعت بين شتوتغارت كيكرز الذي ينافس بالدرجة الثالثة وهرتا برلين ضمن الدور الثاني بمسابقة كأس ألمانيا برميه بزجاجة جاءته من مدرجات جماهير فريق شتوتغارت كيكرز مما اضطر حكم المباراة لإلغائها.
هذه الأحداث دفعت وزارة الداخلية الألمانية إلى تشكيل قوة تسمى بقوة المهام يكون أهم أهدافها حماية الملاعب ومراقبة المدرجات أثناء إقامة المباريات، إضافة إلى منع مثيري الشغب المسجلين والمعروفين بالهوليغانز من حضور المباريات من الأساس. وكان النظام السابق يقضي بعزلهم في إحدى جنبات المدرجات وعدم السماح لهم بالاختلاط ببقية المشجعين.
سجل العنف خارج القارة الأوروبية
ورغم كل مايحدث في الملاعب الأوروبية إلا إنها تعتبر برداً وسلاماً إذا ما قورن بما يحدث في الأرجنتين، بلاد التانغو ومارادونا وميسي التي حولت جماهير كرة القدم فيها الملاعب الأرجنتينية من ملاعب تمارس عليها كرة القدم اللاتينية المعروفة بمهارات لاعبيها الممتعة إلى ساحات للقتال والاشتباك.
فلا يكاد يمر أسبوع من الدوري الأرجنتيني دون أن تتوقف أو تلغى إحدى مبارياته بسبب اجتياح الجماهير لأرض الملعب أو بسبب اشتباك اللاعبين مع بعضهم البعض وما يعقبه دائما من معارك تدور رحاها في المدرجات.
كل ذلك يثير تساؤلاً هاماً، ألا توجد طريقة ما لمنع العنف في المدرجات أو لكبح جماح الجماهير المتعصبة؟ ويبدو أن المسؤولين عن كرة القدم في البرازيل حاولوا أن يجيبوا عن هذا السؤال، فقد خصص المسؤولون بالاتحاد البرازيلي لكرة القدم إدارة مستقلة في كل نادي مهمتها الأساسية هي تسجيل الجماهير الراغبين في حضور المباريات، وذلك بعد الكشف على أسمائهم في سجلات الشرطة والتأكد من أنهم ليسوا من مثيري الشغب أو أصحاب تاريخ سيئ في الملاعب، وبعد تسجيل المشجعين يتم إعطاء بطاقة خاصة لهم يستطيعوا بموجبها شراء تذاكر حضور المباريات.
هذه كانت التجربه البرازيلية، ويوجد اقتراح أيضاً أطلقه بعض أعضاء اللجنة الفنية بالإتحاد الدولي لكرة القدم ولكنه مازال قيد مناقشة وبحث، ويقضي هذا الأقتراح بأن يتم خصم نقاط من الفريق الذي يقوم مشجعوه بأعمال الشغب، وعدم الاكتفاء فقط بأن يلعب الفريق بدون جمهور أو تنقل له مباريات خارج ملعبه.
والطريف أن المنتخب المصري لكرة القدم ومنذ أكثر من 13 عام طبقت عليه عقوبة مماثلة لهذه العقوبة المقترحة، وذلك عندما كان المنتخب المصري يواجه منتخب زيمبابوي في مباراة حاسمة في تصفيات كأس العالم عام 1994 يومها كان لزاماً على المصريين أن يفوزوا باللقاء حتى يتأهلوا للدور الثاني من التصفيات، وبالفعل فازت مصر 2/1 بالمباراة.
إلا أن الاتحاد الدولي تدخل بعد أكثر من أسبوعين من إقامة المباراة وقرر إلغائها بسبب أن تقرير حكم اللقاء جاء فيه أن الألماني فابيتش مدرب زيمبابوي قد تعرض لقذف حجر من المدرجات مما أدى لشج في رأسه، وقد أعيدت المباراة ثانية في مدينة ليون الفرنسية وانتهت بالتعادل وخرج المنتخب المصري من كاس العالم بفعل فاعل، ولكنه فاعل مصري من مدرجات استاد القاهرة لايزال مجهولاً حتى يومنا هذا وهي واقعة شهيرة يعرفها المصريون بأسم " واقعة الطوبة".
وبصورة عامة فسواء كانت العقوبة هي خصم نقاط أو حتى شطب فريق فإن ما يهمنا في المقام الأول هو اختفاء ظاهرة الشغب التي استشرت في الملاعب العالمية، فكفانا ظواهر سيئة أخرى مازال الاتحاد الدولي والاتحادات القارية والمحلية تحاول محاربتها مثل العنصرية والفساد والتلاعب في نتائج المباريات.
ألقيت القنبلة اليدوية من المشجع الإيطالي المهووس لتفجر بعد إلقاءها عدة أسئلة حائرة تبحث عمن يجيب عليها، فمن أين أتى هذا المشجع بتلك القنبلة الحارقة؟ وكيف له أن يدخل بها إلى المدرجات، وما هي فائدة كل وسائل تأمين الملاعب وكل خطط منع الشغب التي تنفق عليها الدول الأوروبية الكثير من أجل حماية ملاعبها من مثيري الشغب وخاصة الهوليغانز؟، ربما تحتاج الإجابة على هذه التساؤلات تحقيقا خاصا.