الحديث يطول ويطول .. حول 'الختيار' أحد السدنة الأوائل لإعادة تشييد المعبد الوطني الثوري المعاصر, مشاركاً في حرب فلسطين (1947- 1948), رئساً لرابطة فلسطين ( القاهرة) بامتياز , ضابطاً في بالجبش المصري لصد العدوان الثلاثي ( حرب السويس -1956), ومؤسساُ مع إخوانه لحركة فتح (1958), وقائداً فدائياً ميدانياً في تفجير إنطلاقة الثورة (1/1/1965), وممثلاً للجنة حركة فتح المركزية ( وقائداً للأرض المحتلة منذ ليلة 1/8/1976) حتى وصوله الأردن في الشهر العاشر لنفس العام), ونودي به ناطقاً بلسان حركة فتح (1986), ومن ثم أنتخب رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهكذا أصبح قائد الثورة الفلسطينية حتى انتقاله لملكوت السموات العلى (2004).
فلسفة القائد
حقاً تعتري المرء حيرة عندما يفكر في مسيرة ياسر عرفات الإنسانية والنضالية والتنظيمية والسياسية, والأهم عندما يفكر في مسيرته القيادية, فكيف بالمرء إذا أراد أن يكتب في أي منحى من نواحي تلك المسيرة ... فإن الحيرة تمتلكه من ألفه على يائه.
أي من اختلف مع 'الختيار' أو من اتفق معه من الوطنيين الثوريين ,( وكل الإختلافات ورادة) , يجبر عند المراجعة الذاتية- ولو بينه وبين نفسه- على الإعتراف أنه وكل ( الإتفاقات ورادة ), مع ' الختيار' في مشروعية وأحقية المشروع الوطني الفلسطيني المعاصر واهدافه التي إنطلق من اجلها في 1/1/1965م والتي لم تنجز بعد وأن كل ما يدور في كواليس السياسة الفلسطينية وعلى السطح هنا وهناك ... ما هي إلا عوامل مساعدة مرحلية في التفاعل القائم بإحراز إنتصارات صغيرة أو ثانوية تتجمع في محصلة تطور الأداء في حرب الإسترداد القائمة والصراع الدائر رحاه لإنتزاع النصر الكبير بإحقاق الحقوق التاريخية الثابتة الغير قابلة للتصرف او التقادم .... لشعبنا وعلى ترابنا الوطني.
هذا هو شمال بوصلة الحركة الوطنية الفلسطينية, التي أعادت حركة فتح تفجير تفاعلها... والتي مثلها 'الختيار' خير تمثيل ممكن, وإن اجبرنا على قبول ـــ أو تقبل المرحلية ــ وهذه المسالة لها حساباتها ــ بهدف خلق إضافات تراكمية لصالح إحقاق حقوقنا التاريخية..., هذه فلسفة 'الختيار' الوطنية سياسياً , مع الجزم أن هذا لا يمكن أن يوضع موضع التنفيذ العملي إلا بتطبيق معادلة' الكل الوطني' والفاعل والمتفاعل معاً على ارض الصراع ..., ومن هنا لقد رفض 'الختيار' أدنى خرق أو إختراق لمبدأ الوحدة الوطنية وأعتبرها قاعدة ومظلة وبوابة النصر الرئيسية للتحرير والعودة.
'ياسر عرفات' الذي اعطى عمره للقضية منذ عام 1947 تعرفه على قائد جيش الجهاد المقدس ' عبد القادر الحسيني' في القاهرة عام 1947 في القاهرة, الذي كان قد وصل لأرض مصر قبل عام , قادماً من منفاه الإختياري ' المملكة العربية السعودية' من أجل للالتحاق بقائده ' الحاج محمد أمين الحسيني', منذ ذلك التاريخ ...لم يهجع ' عرفات ' الثائر بطريقة أو بأخرى ولا بد من القول أن 'عرفات' منذ ذلك التاريخ... قد عرف أهمية ودلالة وماهية ودور البندقية, ورفض فكرة' البندقية العمياء' ... وجدها قاطع طرق..., وتبنى ــ مبكراًــ فكرة ' البندقية المسيسة ' , وعرف وتأكد أن الإنجاز المستقبلي.. مهما حسمت الظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية أو ساءت...ينبع ويلد من رحم هذه' البندقية المسيسة' كان يعي منذ شبابه حجم الأعداء 'كما وكيفياُ' وبالتالي حجم المؤامرات وتواصلها في حلقات سلسلة لا تنتهي, ومن هنا تولد لديه القناعات بأن المسير النضالية الثورية ..., صعبة وقاسية..., وأن مخاضها طويلاً .., وأن حملها عسيراً .. إلا أن ميلادها عظيماً وكان من خيار من حسموا ــ أن النصر يلد من رحم ' البندقية المسيسة'.
' عرفات' كان يعرف المفاصل الذي يريد التعامل معها في سياق دوره السياسي .. وكان لا يحجم عن الخوض في المنعطفات الحادة الخطرة المليئة بالمنزلقات... كان فدائياً.. ولهذا لم يتردد في قرارته الصعبة.. وكان كبيراً وعملاقاً فتحمل كامل نتائجه خاصة ذات النتائج السلبية سواءاً عليه أو على القضية الوطنية, عندما أخرج من بيروت تحمل النتائج ورفض 'نظرية أكباش الفدا' , وعندما سأل إلى أين انت ذاهب يا ابو عمار؟ أجاب 'وهو واثق الخطا يمشي ملكاً' :ـ إلى فلسطين هذا هو الثوري الحالم ... هكذا يكون إستشراق القائد الوطني لحقائق الغد وقرائته الموضوعية لمستقبل آمال شعبه وابعاد مردود محصلة نضالاته التراكمية.
فن صناعة التاريخ
لكل إنسان طريقته الخاصة في معرفة الآخر.. ولا أدعي وصلاً قل نظيره مع 'الختيار' في حياته .., وإن كان لطريق التعاون فيما بيننا.., طعم خاص لقد عرفته في بعض المحطات عن قرب وبالتماس المباشر.., إنسحب جيش الإحتلال من غزة في 7 مارس ـ أذار 1957 , وحاصرت الجماهير شيابها وشبابها رجال ونساءاً , مركز الطورايء الدولية الأمم المتحدة ... مطالبين بعودة الإدارة المصرية, رافضين قرار الأمم المتحدة لتدويل غزة . وفي اليوم التالي وصلت وفود مصرية وفلسطينية وكان منهم وفي مقدمتهم ' ياسر عرفات' رئيس رابطة فلسطين في القاهرة سابقاً لدعم الموقف الجماهيري وخطب في الجماهير حاثاً على إستمرار الأعتصام حتى خروج قوات الطواريء إلى مواقعها إلى الحدود هاتفاً : غزة عربية ..عربية ..عربية.
ودارت بينا الأيام .., وجاءت حرب ينيو حزيران 1967 , وكانت الهزيمة وإلتأم الشمل اللقاء القيادي ( المؤتمر) يومي 12 و13 من الشهر نفسه في منزل الأخ أبو جهاد في دمشق والتي تمخض عن قرارات مهمة جاءت على نتائج الحرب السريعة( حرب الأيام السته) تلك القرارات التي أكدت على حتمية وديمومة الكفاح المسلح ونقل المعركة والقيادة إلى الأرض المحتلة. وفي صبيحة 14/ يونيو ـ حزيران/, وكنت في معسكر الهامة (دمشق), جاءني الأخ / أبو سمير – مسئول المستودعات ـ وهمس في أذني يريدوني في الشام وألتقيت في منزل الأخ أبو جهاد وبحضوره مع الأخ أبو عمار.., وعرفت مهمتي ـ القاضية بالتوجه مع دورية مقاتلة إلى الضفة الغربية ( الخليل ـ بيت لحم).. بهدف دراسة الواقع وملاءمته لإنتشار الكفاح المسلح, ولإقامة قاعدة أرتكازية, وكانت الأولى ما بعد حرب / يونيو حزيران/1967. ودار حديثاً مطولاً, إستعرضا فيه الأسماء والأمكنة.. بالغوص في الكثير من التفاصيل, وعرفت من حديثهما أنهما كانا في تلك الأمكنة منذ سنين. ولعل أهم ما في حديثهما أن علينا ألا ندع العدو المحتل يرتاح في إحتلاله , ولا بد أن يكون هذا الإحتلال مكلفاً لكي يهزم ويرحل وتستمر المسيرة.وبينما نُعد للدورية توجهت برفقة الأخ أبو عمار لزيارة الأخ أبو علي أياد في غرفة 8 مستشفى المواساة بدمشق وتم وضعه صورة الدورية والتوجه.
- انتقلت الدورية من سوريا إلى الأردن , ودليلنا الأخ /عز سلطان, وعبرنا نهر الأردن19/20 يونيو- حزيران ومعنا دليلنا الأخ / مازن حجازي.. الذي ودعنا عائداً بعد ايام.., وإتصلت بالأسماء المعنية.. وجدت الذي لم أكن اتوقعه إيجابياً من أولئك الشيب ...نفر نضالي يحوز عمق التجرية وصدق الأداء وأمانة التوجه.
- استمعت إلى خطاب القائد الخالد/ جمال عبد الناصر ليلة 26/ يوليو تموز 1967, وعرفت مغزى قوله..أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة, وتذكرت كتاب نقولا الدر 'هكذا ضاعت وهكذا تعود', وهذا وذاك هو دستور حركة فتح المكتوب بالدماء والمعاناة والمسطوربالصدور, قبل أن ينطقها 'عبد الناصر'وقبل أن يكتبها 'الدر'. ولم يأتي ضحى اليوم التالي ..إلا وقد عبرت نهر الأردن..ووصلت إلى عمان..إلى العنوان منزل الأخ/ نزيه حجازي, الذي اصطحبني ألى اربد. حيث رتب الأخ/ عاهد ست أبوها لي كيفية الوصول مساءاً إلى الرمثا وتخطي الحدود السورية, الذي أجرى اتصالاته فحضر الأخ/ أبو العلا بسيارة جيب قديمة..,والذي أكد أن الأخوة ينتظرونني في الشام( أي دمشق). ووصلت وتم اللقاء وانتقل الركب (سيارة الفولكس واجن- المموهة) رفقة الأخوين أبو عمار وأبو جهاد إلى سكن الأخ/ أبو علي إياد مقابل معسكر الهامة..,حيث قدمت التقرير المفصل منذ خروجي من معسكر الهامة حتى لحظات اللقاء, ودار نقاش صريح تسلل إلى تفاصيل التفاصيل إمتد حتى ساعة متأخرة من اليل, على عكس عادة الأخ/أبو جهاد, وفهمت.. أن هناك وراء الأكمة ما وراءها..
القرار الاخطر
- .وأن ثمة قرارات خطيرة يتم إتخاذها, أو إتخذت وسيتم تنفيذها. وأتفق على اللقاء غداً عند الغروب في نفس المكان, وبقيت في السكن حيث اخذت قسطاً من النوم – وفي الصباح إصطحبني الأخ/ أحمد كلش(أبو الحسن) إلى منزل الأخ عبد الله عمارة (ميدان البرلمان- جوير).
- تم اللقاء ولم يستمر طويلاً.. حيث تم الإستفسار عن بعض الأمور والمسائل والقضايا. وتم إبلاغي بضرورة الإسراع في العودة.., وعلي التريث يومين أو ثلاثة, وان هذه العودة ستكون بدورية مهمة. وحضرت لقاء في منزل الأخ/ أبو جهاد, وأكثر من لقاء في سكن الأخ/ أبو علي إياد, وكان الحيث يدور مع ثلاثتهم ويتعمق حول كافة القضايا المحيطة بالأرض المحتلة, والنقاش يدور حول فقدان الضفة الغربية للأدغال ومناعتها والجبال الوعرة الحصينة وكذا فقدان الكم السكاني الكبير الذي يبتلع العمل الفدائي المباشر وتمت مناقشات تفصيلية في طرق وخطوات بناء القواعد الإرتكازية, ووسائل التعبئة والتنظيم على أرضية بناء الخلايا... ومواصفات ذلك وكيفية الإتصال والتوصيل ومواصفات ذلك وكيفية الإتصال والتواصل والنقل والأفراد والمعدات, داخل وخارج الأرض المحتلة ألخ ألخ.., وتم التوضيح أن الوصول والخروج من الأرض المحتله لا تكتنفه المخاطر بعد.
- وفي يوم 30/7/1967, أأ بلغت أن الأمور قد اكتملت.. وأن عودتي للأرض المحتلة قد أزفت..وأن العودة ستكون مع دورية مهمة تنفيذاً لقرارات لقاء 12و13/6 الماضي, وسيكون على رأسها ممثل الجنة المركزية لحركة فتح/ قائد الأرض المحتلة, وأن تحرك الدورية في إتجاه الأردن, سيكون غداً قبل الظهر, ويتم عبور نهر الأردن بعد مرور دورية الإحتلال الخاصة 'بالتمشيط' مساءاً.
- أنجزنا التحضيرات, توجهنا من معسكر الهامة إلى منزل الأخ/ أبو جهاد, وهنا تأكدت أن إختيار الأخوة/ اللجنة المركزية لحركة فتح قد وقع عليه لنكون معه وهو على رأس الدورية, كان إنطباعي في الأيام الثلاث الماضية.
- وكم كانت مفاجأتي غير العادية والأخ / مجاهد قائد معسكر الهامة, الذي كان ضمن الدورية.... وكنت قد تحدثت وإياه حول نفس الموضوع, عندما صعد الأخ/ أبو عمار إلى المقعد الأمامي في سيارة الجيب, وودعنا الأخ أبو جهاد على باب منزله(!!!).
- عرفت فيما بعد من أحد الأخوة المناضلين أن بعض الأخوة من قيادة حركة فتح قد تحدثوا معه – ومنهم الأخ أبو عمار فيمن يرشح لهذه المهمة ]أبو عمارــ أو أبو جهاد[ , وأن الأول تحدث معه مقنعاً أياه بأن يرشحه.., لأنه أعزب ولأن الأخ/ أبو جهاد قد فقد ابنه (نضال) الصغير قبل عام.., وبالفعل قام الأخ المناضل بترشيحه.
- تحركت الدورية, عند نهر الأردن, عبرنا المخاضة, استغربت عندما قام الأخ أبو عمار بتقبيل الأرض في الضفة الغربية من النهر, وكانت من الطمي الجاف..,.
- أثناء مسيرة الدورية ناقشته في هذه المسألة, ولم أقتنع بوجهة نظره..بأنه كل مرة يعبر فيها خط الهدنة(1949) أو هذه المرة(الأرض المحتلةـ 1967) فإنه يقبل الأرض, وعندما اكدت له أن هذه أرض عربية واحدة, وأن هذه الحدود هي حدود خططها الإستعمار وهي حدود وهمية ما بين أقطار الوطن العربي.., وبأنه السير ونستون تشرشل( وزير المستعمرات البريطاني ــ بعد الحرب العالمية الأولى هو الذي فكر ودبر وخطط في الحدود الفلسطينية الراهنة...( فلسطين الإنتداب البريطاني)ـ, وهنا اجابني عرفات:ـ ' ما تتحدث عنه من أقطار عربية...غير محتلة' وأردفت:ـ'ما عدا جنوب اليمن'..,أكد على قولي..وأضاف:ـ'عندما تتحرر فلسطين, واكون حياً وأدخلها لن....,وصمت....ولم أعاود الحديث.
- وصلناإلى مزارع أشجار الزيتون في بلدة قباطية, وبعد يومين جائني من أبلغني الإستدعاء إلى جنين , وفي الكراج المركزي كان ينتظرني شاب وسيم واضح الطول.., قام بإصطحابي إلى مدينة نابلس..,وسار أمامي في المدينة... ودلفنا في القصبة.. حيث عبق التاريخ.. وذكريات الأسلاف عبر مئات السنين..., وانعطف ذهني في زقاق وزواريب والأحجار القديمة الكريمة.. إنها المتحف الإنساني الخالد.. إنها 'حي القصبة' وفاح أمام ناظري المشهد القابع في لعقل الباطن.. ثورة حي ' القصبة الجزائرية' ... وأسبوع القنابل المتفجرة.. وتذكرت جميلة وجميلة وجميلة وغيرهن من جميلات الجزائر في الجبل ..آه ..يا وطن..كم أنت رائع من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.. وفلسطين قضيتك المركزية حتى التحرير والعودة ..والنصر المؤزر.
- وإذا بي ألج باباً والشاب يدلف امامي ويدلني الطريق وأجد نفسي فجأة أمام ( أبو عمار).. في إحدى المنازل القديمة, في زقاق جانبي.., وتحضر ربة البيت 'صينية' نظيفة وبها بطيخة كبيرة مشقحة.., تناولت منها بسرعة وشكرتها, خاطبها الشاب.. عرفت أنها أمه.. وفيما بعد جاء رب البيت..عم أبو العبد.
- وبعد عدة سنوات.. عرفت أننا كنا في منزل والد الأخ/ عبد الأله الأتيرة ــ( خليل الأثيرة), هناك تلمست بما لايقبل الشك محبة (عرفات) الحقيقية للأطفال.. وتساءلت بيني وبين نفسي.. هل لأنه لم يتزوج بعد وعمره 38 عاماً.. وليس لديه أطفال؟ و الصبي يلعب مع شقيقته القمحية السريعة الحركة والصغيرة البيضاء البشرة المشربة بحمرة... والتي كانت تتحدث في كل الأمور وأخ أكبر (نوعاً) يدخل ويخرج بصمت.., يتحلق الصغار من حوالينا و (عرفات) يطعم هذه ويداعب تلك..والصبي المشاغب يمارس هواياته في الزجر أحياناً واللعب في أحيان أخرى, و ( عرفات) لا يتضايق.. بل يرحب بهذا الجو المحيط به.. وكأنه لم يكن في متناول يده قط..,كان يفتقد الأسرة في أعماق ذاته.. فوجدها في محيطه.. فرحب بها أيما ترحيب, يمارس عمله كاملاً من مراسلات ومتابعات, لا يتضايق من الجلوس طويلاً ساعات وساعات.
الحاسة السادسة وما بعدها
- الحذر يسيطر على الجو العام..كل الإنسانية مع الصغار,وكل الحذر لما يدور من حوله.., نتتاوب النوم ليلاً...والأصبع على الزناد..,لا يخاف من الأقدار ولكنه لا يلقي بنفسه في آتونه.. بل يمارس الحذر بادق تفاصيله ويؤكد أن لديه الحاسة السادسة.. أو حاسة الكلب ويبتسم, وسرعان ما يغادر الإبتسامه لأنها تفقده جديته, الذي يعمل على أسرها في كل لحظة من لحظات عمره.., وعندما سالته ماذا تقصد بحاسة الكلب؟...أجاب..إن الكلب أول من يحس بإقتراب الزلازل. واضفت أن كل الحيوانات لها هذه الحاسة.. خاصة الأفعى.. فإنها تخرج جماعات من جحورها قبل وقوع الزلازل.., واكتشفت أنه لا يحب الخوض في سيرة الأفاعي, وأستفسرت ولم أتلق إجابه حول ذلك.
- كان يجب أن يستمع إلى حول دور مصر الإستراتيجي في الأمن القومي العربي, وما تعنيه فلسطين الجغرافيا.. عبر التاريخ تجاه مصر منذ قيام الدولة المصرية الأولى منذ الأف السنين, وما تشكله فلسطين في العقل ' القومي' المصري أمنياً, وبانها بوابة الأمن العسكري والسياسي والمصري, كما أن السودان يشكل ' بوابة السلة الغذائيةـ مياه النيل'.
- وهذا الحديث كان يودي إلى الحديث حول 'عبد الناصر' الذي كان يكن له مخزن ومخزون كبير من الاعجاب وكان متابعاً عميقاً وبتمعن تجاه 'جمال عبد الناصر' الشخص والضابط والثائر القائد والرئيس, إلا أنه كان يصر على الإستماع إلى المزيد حول حيات وسيرة وسياسة 'جمال عبد الناصر.
- لم يتبادر في نفسي السؤال.. لماذا هذا الإصرار على أنه يعرف عن 'عبد لناصر' الكثير من القضايا والمسائل؟ هل يريد أن يختط خطوات ' عبد الناصر' في الحكم وطريقته وكيفية الحكم.. وكيفية التعامل مع عناصر القوة والسيطرة عليها والتشبت بها والاستمرار بالأمساك يقواعدها وابعادها؟.
- ولم تطل بنا الأيام كثيراً.. ولكنه في عصر أحد الأيام.. فاجأني بقوله : يلا بينا نخرج شويه.., وكانت عيونه تشع ببريق غامض, تأكدت يومها أن عيونه ملونه., وخرجنا إلى ميدان المدينة.., وبالقرب من أحدى صالات العرض (السينما) في الدور فوق الأرضي من شارع فرعي موازي للشارع الرئيسي المحادذي للقصبة شرقاً, وقبل أن نصعد الدرجات.. شاهد عربة يد تبيع فاكهة العناب في ظروف ورقية رفيعة.., فقال : يالابينا نشتري عناب وبالفعل إشترينا عناب وصعدنا الدرجات وجلسنا إلى إحدى الطاولات وطلب كأس شاي وطلبت فنجان قهوة. وآتي على كل العناب وإمتدحه واكد أنه قليل خارج فلسطين.
- خرجنا وتوجهنا إلى شارع فلسطين, وعرٌفته أين تقع عيادة الدكتور حاتم صديق أبو غزالة, الذي ستجري حركة فتح معه لقاء ومحادثات.., والذي تمخض عنه فيما بعد الإتفاق بأن ينضم أعضاء (حركة الثوريين العرب ــ فلسطين) إلى حركة فتح وهذه كانت محطة'الوحدة الوطنية' كما تراها حركة فتح وهذه كانت محطة مهمة في عقل ( عرفات) إنها محطة' الوحدة الوطنية' كما تراها حركة فتح... إنها اللقاء على أرض المعركة, وليس كأطر سياسية..بل وأيضاً ذوبان الإطار والكادر والأعضاء في إطار التيار الوطني الثوري الكبير على أرض المةاجهة الفعلية.
- وطلب الأخ/ أبو عمار..أن أريه المكان الذي قضيت إحدى الليالي فيه/ وكان مجمع مجاري نابلس, حيث تناوب علي البعوض لسعاً حتى الصباح.. وزاد الطين بله كشافات حيبات جيش الإحتلال جيئة وذهاباً على المكان, وعلق على ذلك بقوله ...' ياما حنبات في أسوأ من ده'
- وعدنا إلى حي القصبة, عبر سوق البصل وشاهدت الرجل القعيد 'قمحية' في متجره.., ووصلنا إلى منزل العم / ابو العبد.. وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث.., وحدثني مطولاً عن ' رابطة طلبة فلسطين' في القاهرة, وذكرياته حول أحداث 1951 و1953 في القناة (حرب الفدائيين.وعلاقته مع الأخ/جواد حسني رئيس اتحاد طلبة مصر..,والذي رحل شهيداً في بور سعيد, أثناء العدوان الثلاثي (1956) وسألني لماذا خرجنا اليوم من المنزل..وأردف اليوم أكملت 38 عاماً.. كما تقول شهادة الميلاد.. وعرفت يومها منه أنه من مواليد القدس.
- باركت له عيد ميلاده.. الذي أكدلي أنه من مواليد برج الأسد, استغرب أنني لست ملماً بمسألة الأبراج.., وصدقاً لا زلت حتى تاريخه لا أتابع الأبراج وكل ما تعنيه. ولكنه أصر أن مسألة الأبراج هي علم مهم من علوم الفلك.. وأن بها حقائق كثيرة, ولكنه كان يؤكد وإعاد ذلك أكثر من مرة..بأنه مواليد برج الأسد..هم قادة أو على الاقل يحملون الكثير من الصفات القيادية, وعندما سألني عن برجي.. أجبته لقد ولدت في الشتاء وكانت الأمطار غزيرة..وكما يقال في القرى كانت الدنياكب من الرب,أي لست من مواليد الصيف مطلقاً.
- في ذلك اليوم..التقينا بالأخ / مجاهد الذي تهنا عن بعضنا بين / طوباس وقباطية / فذهب على 'عصيرة الشمالية' مع بعض المواطنين من العائدين عبر نهر الأردن إلى مدنهم وقراهم. وشرح له الأخ/ ابو عمار واسهب في الشرح, مناقشاً القضايا العملية التي تواجهنا..على أرض الواقع, ولقد بدى أنه أصبح ملماً بالخارطة الميدانية..أكثر بكثير من كل قراءاته للتقارير والأستماع الذي كان يحرص عليه من جميع القادمين من الداخل.. عندما كان في دمشق.