ألم يحن وقت العودة يا سيدي ...؟ هل أنت مرتاح بفراقنا ...؟ لقد إشتقنا كثيراً لأيام عزك ... أيام كنت تضمد جراحنا ... وتمسح دموعنا ... وتصنع لنا المجد والإنتصارات ... وتسمو بنا وننام بلا كوابيس مزعجة تحت كوفيتك التي عرفنا التاريخ عبر نسيج خيوطها السمراء ... تلك الخيوط التي كانت تحمل كل فلسطين بداخلها ... إشتقنا لذلك العقال الأسود الذي كان يحمل داخل شكله اللولبي خارطة الوطن ... سيدي ... أنت منا ونحن منك ... أنت الأصل ونحن الفروع ... أنت الأب وأنت الزعيم وأنت الرمز ... أنت سيدي ... لا بل أنت سيدنا جميعاً ... سيد الوطن وسيد الشعب ... سيد الكبير والصغير ... هل طاب لك الرحيل يا سيدي ...؟ لقد دارت بنا الدنيا وأظلمت أيامنا من بعدك يا أبانا ... فنحن وإن كنا قد أجحفنا بحقك وحق أنفسنا فإننا نطلب منك السماح ... ولو لم يُكتب على من يرحل مثل رحيلك أن يعود لطلبنا منك وبإلحاح أن تعود ... ولكن أستغفر الله ... أنت في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً إن شاء الله ... لكننا لا نقطع الأمل يوماً بلقائك ... فنحن نتوق لهذا اللقاء ... وسيأتيك شبلاً من أشبالك أو زهرة من زهراتك ومعه مفاتيح المسجد الأقصى الذي هو حلمك الكبير ... فإن النواة الصلبة والعصية على الكسر التي زرعتها فينا عبر نصف قرن من التاريخ سوف تنمو وتترعرع وتستمر بالنضوج كما تحب وبالطريقة التي ترضيك ياسيدي وإن كان المناخ بالأيام السابقة غير ملائم لذلك النضوج فإنني أعدك أنا وإخواني بالفتح وإن كنت أرى نفسي صغيراً جداً أمامك يا سيدي فعذراً ... لكنك علمتنا أن نصنع من الشجرة الواحدة مليون عود ثقاب وأن عود الثقاب الواحد يمكن له أن يحرق مليون شجرة ولكن من شجر الغردق ... الذي ينمو ويترعرع على دماء الشهداء وعذابات الجرحى وأنين الأسرى ... تلك الشجرة الخبيثة التي لايستظل بظلها إلا أعداء الوطن وأعداء الإنسانية وأعدائك أنت يا سيدي ... فشجرتهم يا سيدي غير شرعية وزراعتها بأرضنا الطيبة باطلة وإحراقها لا رجعة فيه ... رحلت يا سيدي وتركت لنا إرثاً ثقيلاً جداً جداً ... فأنت كنت رجل الحرب والسلام ... رجل البندقية وغصن الزيتون ... رجل الليل والنهار ... رجل الشدة والرخاء ... أنت الرجل الذي ولد منه كل الرجال بكل الأطياف ... وإستطيبت الرحيل ... فهنيئاً لك ذلك الرحيل إن كان يرضيك ... ورغم أنه رغماً عنا فنحن كلنا لا نملك القرار ... نحن لا نمتلك إلا نهجك ولا نقدر إلا أن نجعلك في قلوبنا ذكرى ... وبين ضلوعنا ووجداننا صورك ... وسنمضي حتماً وهذه المرة بصدق نحو الخارطة التي رسمتها لنا ... فإننا تعبنا جداً من بعدك ... فأبشر يا سيدي فإننا سنترك كل خطايانا وسنمضي على دربك ... لأن أنفسنا لا تحتمل المزيد من الخطايا ... سنعود على نفس أثرك الذي كنا قد تهنا عنه قليلاً ... ولكن هذا الخروج عن النهج لم يكن ذنبنا ... فنحن لم نكن ربانا بل كنا ركاباً لتلك السفينة في تلك الأيام ... لكن الأيام القادمة كلها لنا ... كلها للفتح ... سنحدد الإتجاه على نفس بوصلتك التي لا تشير إلا للقدس ... فقد سئمنا من تلاطم الأمواج وإشتقنا لنرسوا على شاطئ الأمان ... وتعبنا من الترحال وازداد عشقنا لتراب حيفا ويافا وعكا ... وزاد حبنا لبرتقال غزة ... وسنمضي يا سيدي وسنكتب الفصل الأخير من حكايتك ... سنخط ببنادقنا وأغصان زيتون صفد نهاية أحزاننا وجراحنا ... سنمضي ولو حفاة الأقدام على الشوك وفي كل الظروف والمناخات من أجل أطفالنا ... أطفال الفتح ... حتى يكتب الله لنا النصر أو نلقاه ونحن على عهدك يا سيدي ... سنعزف سيمفونية العودة والنصر مع كل أبناء الشهداء ... وسنعمل كل ما في جهدنا وأكثر حتى تسامحنا ويرضى عنا رب العزة ... وبعدها لن يكون هناك فراق إلا الفراق الأخير وحينها سنلقاك فرحين بما آتانا ربنا من إحدى الحسنيين أو الحسنيين معاً ... فنم قرير العين يا سيدي فنحن في ربع الساعة الأخير فلقد إقتربت سفينتنا أن ترسو على شواطئ الإنتصارات ... أقولها وأنا واثق أننا سنمضي بالإتجاه الذي ترضاه ويرضاه رب العرش العظيم ... ولك من كل أبنائك الأوفياء ألف ألف سلام على روحك الطاهرة يا سيدنا ورمز عزتنا وكرامتنا فإلى اللقاء على حوض رسولنا الكريم نشرب من يديه الشريفتين شربه لا نظمأ بعدها أبداً إن شاء الله .