وفي نيسان 1975، مع اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، وقف عرفات في صف القوى التقدمية اللبنانية.
وفي حزيران 1980: أصدرت السوق الاوروبية المشتركة "اعلان البندقية" الذي يطالب بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في اي مفاوضات لإحلال السلام.
وخاضت المقاومة الفلسطينية الكفاح من لبنان ضد الكيان الصهيوني، ونتيجة لنجاح المقاومة الفلسطينية في حقبة السبعينيات في تسديد ضربات موجعة للاحتلال، قررت إسرائيل شن هجوم على قواعد المقاومة والقضاء عليها وهو ما توج بغزو بيروت عام 1982.
بعد اجتياح بيروت وفرض إسرائيل حصارا لمدة 10 أسابيع على المقاومة الفلسطينية، اكتسب خلالها عرفات احترام شعبه بصموده وشجاعته، وافق في 30 آب 1982على الخروج من لبنان تحت الحماية الدولية ومن ثم الانتقال إلى تونس التي شكلت المعقل الأخير لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1994.
محاولات اغتيال متكررة
حاولت إسرائيل اغتيال عرفات ثانية بعد انتقاله الى تونس. وقد تعرض مقره هناك، في الأول من تشرين الأول 1985 لقصف الطيران الاسرائيلي، ودمر بشكل شبه كامل في غارة ادت الى مقتل 17 شخصا. وكان عرفات في طريقه الى مكتبه وولكنه عاد ادراجه مع بداية الغارة.
وتعرض عرفات طوال مسيرة قيادته لحركة فتح والمنظمة للكثير من حركات التمرد ضده وكان أبرزها خلال فترة تواجد المنظمة في لبنان، حيث انشق عنه عدد من قادة الحركة ومن أبرزهم أبو موسى وأبو نضال، إلا أن دهاءه السياسي مكنه من تجاوز كل هذه الانشقاقات فظل متماسكا ومسيطرا على المنظمة وعلى فتح.
وفي تونس، واصل ياسر عرفات تكوين شخصية الزعيم السياسي الذي يتبنى الحل السلمي. وكانت ارهاصات هذا التوجه قد تجلت عمليا، في الخطاب الذي القاه عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13 نوفمبر 1974، والذي قال فيه: "إنني جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين".
وكان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي وتعرض الفلسطينيين فيها للقمع والقتل، أثره في حصول القضية الفلسطينية على تعاطف دولي، استثمره عرفات بحنكته السياسية لتحريك عملية السلام حيث دفع المجلس الوطني الفلسطيني بدورته المنعقدة في الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988 الى تبني قرار مجلس الامن الدولي 242 معترفا بذلك ضمناً باسرائيل وفي الوقت ذاته، اعلن المجلس قرار اقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة وغزة. وتلا عرفات إعلان استقلال الدولة الفلسطينية.
في كانون الثاني 1992، تزوج عرفات من مساعدته سهى الطويل وبعد شهرين، في نيسان 1992، تحطمت طائرته في الصحراء الليبية. وقيل حينذاك انه قتل في الحادث ولكنه ظهر من جديد بعد ساعات فقط.
غصن الزيتون لم يسقط
أعلن عرفات أوائل عام 1990 أنه يجري اتصالات سرية مع القادة الإسرائيليين بهذا الخصوص. وفي عام 1991عقد مؤتمر السلام في مدريد تحت رعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
وفي 13 أيلول 1993 بعد ستة أشهر من المفاوضات السرية في اوسلو، وقّع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين، في واشنطن، اتفاق أوسلو الذي جعل أضواء الإعلام الغربي تسلط عليه بكثافة، كما كان نقطة تحول بارزة في القضية الفلسطينية. وقد وقع الطرفان على "إعلان مبادئ"، هو عبارة عن اتفاق سمح للفلسطينيين بممارسة الحكم الذاتي في قطاع غزة ومدينة أريحا بالضفة الغربية مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل.
لكن لم تحسم عدة قضايا شائكة وأبرزها مستقبل المستوطنات المقامة على أراض محتلة، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك مدنهم وقراهم بعد حرب عام 1948، والوضع النهائي لمدينة القدس.
وفي 1 تموز 1994 خرجت غزة عن بكرة ابيها لاستقبال عرفات والعائدين معه من "ثوار فتح" بحفاوة كبرى، بعد 27 عاماً قضاها في المنفى. واتخذ عرفات من غزة مقراً لقيادته.
وقد بدأ عرفات فور عودته الى غزة، مسيرة سلام مرت بصعوبات بالغة. وفي نفس السنة فاز بجائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين وشمعون بيريز.
وفي عام 1995 وقع عرفات ورابين بواشنطن على اتفاقية الوضع المؤقت التي مهدت الطريق لإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد اغتيل رابين اثر ذلك، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1995، بايدي متطرف اسرائيلي، وهو ما شكّل انتكاسة لعملية السلام. وواجه عرفات تحدياً ضخماً تمثل في السعي للحفاظ على التزام الفلسطينيين والإسرائيليين بما أطلق عليه "سلام الشجعان".
شرع عرفات لدى وصوله الى غزة، في تأسيس السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية المختلفة، وعمل على إعادة تأهيل بعض المؤسسات وتدريب أفراد من الشرطة والجيش للحفاظ على الأمن، مبشرا شعبه بقرب تحقيق حلم التحرير والصلاة في المسجد الأقصى.
رئيس شرعي منتخب.
وفي 20 يناير 1996 انتخب عرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية في انتخابات ظل يفتخر دوما بأنها كانت حرة وشفافة في منطقة نادرا ما تشهد مثلها.
في عام 1997 وقع الفلسطينيون برئاسة عرفات اتفاقية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتسلم معظم مدينة الخليل والذي تعطل كثيرا، بعد ذلك أصيبت عملية السلام بالجمود.
وفي عام 1998 وقع عرفات ونتانياهو على اتفاقية واي ريفر لانسحاب إسرائيلي تدريجي من الضفة الغربية، والتي جمدها نتانياهو بعد شهرين زاعما ان عرفات لم ينفذ شروطا أمنية.
في 5 أيلول 1999 وقع عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في شرم الشيخ في مصر اتفاقا يفتح الطريق امام مفاوضات حول تسوية سلمية نهائية بين اسرائيل والفلسطينيين. ويحدد الاتفاق شهر سبتمبر/ أيلول عام 2000 موعدا لتوقيع معاهدة سلام دائمة.
انتفاضة الاقصى
وشهد منتجع كامب ديفيد في 25 تموز / يوليو 2000، قمة ثلاثية ضمت الرئيس الفلسطيني، والرئيس الاسرائيلي أيهود براك، والرئيس الامريكي بل كلينتون، و رفض خلالها عرفات تقديم أي تنازلات عن الحقوق الشرعية الفلسطينية، ومنها حق اللاجئين والقدس، هذه الأمر جعل شعبية عرفات تزداد بين الفلسطينين.
غير أن اصطدام السلطة بالمواقف الإسرائيلية المتعنتة أدى إلى انحسار التأييد الشعبي لمشروع السلطة الفلسطينية وقيادتها الممثلة في شخص عرفات. وساهم في ذلك الانحسار قيام السلطة الفلسطينية بملاحقة نشطاء فصائل المقاومة خاصة الإسلامية منها تنفيذا لاستحقاقات الاتفاقيات التي وقعتها مع إسرائيل، فتوالت على عرفات الاتهامات بأنه أصبح أداة في يد الاحتلال لقمع المقاومة الفلسطينية، كما تزامن مع ذلك بداية الحديث المتصاعد عن فساد السلطة وتراخي رئيسها في مواجهته.
في 28/9/2000 اندلعت انتفاضة الاقصى، وتوقفت عملية السلام، وذلك اثر دخول شارون باحة المسجد الاقصى، ولم يكن لامر يطول حتى استقالت حكومة حكومة براك في اسرائيل، وتولى السلطة اريئيل شارون، زعيم اليمين المتطرف الذي عمل منذ توليه لمنصبه على تنفيذ مخططه الهادف الى تدمير السلطة الفلسطينية.
الحصار في المقاطعة
شارون وكما يصفه المحللون بأنه عدو عرفات اللدود، قام في نهاية عام 2001 بفرض حصار على الرئيس الفلسطيني داخل مقره في مدينة رام الله، بالضفة الغربية.
هذا الأمر جعل شعبية عرفات تزداد اكثر فأكثر بين صفوف الشعب الفلسطيني، وترافقت الاصوات المؤيدة لعرفات، مع الاصوات الاسرائيلية المطالبة، بتصفية عرفات، وأبعاده، فعاد عرفات من جديد للمواجهة، وفي آذار 2002 قام الجيش الاسرائيلي بأقتحام المدن الفلسطينية، والتي كان الحصار قد انهكها، وبعد ختام القمة العربية في بيروت والتي رافقتها عملية فدائية نفذها فلسطينيون في اسرائيل، شن الجيش الاسرائيلي هجوما على مقر المقاطعة، مقر القيادة الفلسطيينة في مدينة رام الله، وهدموا جزءا منه، وحاصرت الدبابات الاسرائيلية عرفات في مقره، واستمر الأمر على هذا الحال حتى انسحبت القوات الاسرائيلية، في ليلة الثاني من أيار.
بالرغم من ابتعاد الدبابات الاسرائيلية عن مقر الرئاسة الفلسطيني، ألا ان اسرائيل منعت عرفات من حضوره أي محفل دولي، أي حولت مقره الى سجن صغير، وترافق كل هذا مع تزايد التهديات الاسرائيلية بتصفية عرفات او أبعاده، وبعد ضغوط دولية، تعهد شارون بعدم استهداف عرفات أثناء تنفيذ العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي زعمت حكومة شارون إنها تهدف للقضاء على ما اسمته " البنية التحتية للإرهاب"، بينما وصفها الفلسطينيون بأنها "جرائم حرب" و"إرهاب دولة".
لكن التهديدات استمرت من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين بإبعاده وحتى بقتله.
و في 11/9/2003 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً أطلقت عليه صفة " مبدأي"، بإبعاد الرئيس ياسر عرفات عن أرض الوطن. ولم تنفذ اسرائيل هذا القرارفعليا، الا أنها لوحت به بعد كل عملية استشهادية.
وكان رد فعل عرفات للحصار الإسرائيلي إعلانه أنه "يتوق للشهادة التي سبقته إليها أعداد كبيرة من أبناء شعبه".
وخلال هذه الفترة اتفقت اسرائيل والولايات المتحدة على عزل الرئيس عرفات واعتباره "غير ذي صلة"، وسعت واشنطن الى فرض تعيين رئيس وزراء فلسطيني على امل ان تتعامل معه في القضايا الفلسطينية، وتجاوز عرفات.
وفي عام 2003 عين عرفات أمين سر منظمة التحرير محمود عباس رئيسا للوزراء تحت ضغوط دولية للتنازل عن بعض سلطاته، لكنه رفض التخلي عن سيطرته على القوات الأمنية فاستقال عباس وتم تعيين احمد قريع، خلفا له.
صادق الفلسطينون على خطة "خارطة الطريق" في عام 2003، لكن اسرائيل كعادتها تملصت من تطبيقها، ورفضت اسرائيل اجراء اي مفاوضات مع عرفات او مواصلة الاتصالات بينها وبين القيادة الفلسطينية، بل سعت الى فرض المقاطعة الدولية على عرفات، بحيث اعلنت رفضها استقبال اي مسؤول دولي يقوم بجولة في المنطقة، ويزور عرفات.
شرع الرئيس الإسرائيلي فيما بعد بإقامة جدار الفصل العنصري على اراض الضفة الغربية، بذريعة وقف هجمات الفلسطينيين، ولم ينصع شارون للقرارات الدولية المنددة بالجدار، وبدأ شارون، في العام 2003، التحدث عن خطة الفصل الأحادي الجانب، المعروفة باسم "فك الارتباط" مع قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، والتي اصر على تنفيذها من جانب واحد دون أي اتفاق مع الفلسطينيين، بحجة عدم وجود شريك فلسطيني، هادفا إلى تجاهل الرئيس الفلسطيني.
في الفترة الخيرة من العام 2004 بدأ العالم يسمع عن تعرض الرئيس الفلسطيني، لارهاق وتعب، وهو الذي تجاوز 75عاما، وسار بالشعب الفلسطيني مسيرة مليئة بالكفاح في سبيل نيل الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
رحلة الكفاح الطويلة، لم تشهد نهايتها استسلاما للاحتلال الإسرائيلي وإنما إصرارا على التمسك بالثوابت "القدس، الدولة الفلسطينية الكاملة، عودة اللاجئين، زوال الاستيطان".
لكن رحلة من نوع أخر قدر للرئيس عرفات أن يخوضها، تثملت مؤخرا بالمرض الذي اشتد به مؤخرا، ما دعا الأطباء إلى اتخاذ قرار نهائي بنقله إلى المستشفى العسكري في فرنسا المعروف بأسم "بيرسي".
ويبقى عرفات هو من بذل حياته في سبيل إيجاد حلا لقضية شعب عانى الاحتلال ،وهو الذي تحمل خلال العقود الماضية من الهموم والمشاكل ما لم تتحمله الجبال بدءأ من احداث ايلول في الاردن الي الاجتياح الاسرائيلي للبنان وحصار بيروت ومن ثم حصاره في طرابلس بلبنان واخيرا حصاره في داخل فلسطين وهو يسمع ويري المجازر التي ترتكبها اسرائيل بحق شعبه الفلسطيني، الذي بذل حياته في سبيله.