ذه ليست توقعات بل حقائق
مؤكدة بإمكاننا رؤيتها بوضوح من قطاع غزة وسط غمام القصف الأعمى ..
فالصهاينة خسروا المعركة في اليوم الثاني من نشوبها وهم يدركون هذا جيداً،
بل ويعرفون أنه لم يعد بإمكانهم تعديل النتيجة ولو بنسبة ضئيلة لصالحهم ..
والأكثر من هذا، هم يعرفون تماماً أنه كلما طال أمد الحرب فالخسارة ستكون
أكبر وأعمق .. قد يبدو هذا الكلام نظرياً من أجل رفع المعنويات أو لتعزيز
الصمود، ولكن بإطلالة سريعة على الأحداث سنكتشف كيف انهزم الكيان الصهيوني
أمام غزة، وماذا يفعل من أجل تعطيل الإعلان عن هزيمته الساحقة أمام
المقاومة ..
هدف الحرب على غزة أعلنته تسيبي لفني عندما قالت: سحق حماس وتغيير الواقع
الأمني في غزة .. ولتحقيق هذا الهدف كان لابد من خطة عسكرية اعتمدت على
تقارير استخبارية قدمتها السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية، مرفقة
بتوقعات لسيناريو رد فعل الحركة وسكان قطاع غزة !..
الخطة اعتمدت على ضربة جوية كبيرة تشارك فيها عشرات الطائرات الحربية،
تُسقط خلالها عشرات الأطنان من القذائف والمتفجرات على أهداف تتبع لحركة
حماس، قيل عنها أنها تحتوي على معظم مخازن الأسلحة والصواريخ وأماكن
تصنيعها .. المثير للدهشة أن الأهداف التي تم ضربها كان قد أُعلن عنها
سابقاً في مواقع الكترونية تتبع بشكل مباشر للقيادي الفتحاوي محمد دحلان
.. والدهشة هنا ليست لتسريب هذه المعلومات من تلك المواقع، بل هي من
الأغبياء الذين صدقوها واعتمدوها أهدافاً عسكرية حقيقية رغم استحالة ذلك
وسهولة التأكد منه .. فعلى سبيل المثال نشر أحد مواقع دحلان أن قسم
المختبرات في الجامعة الإسلامية يقوم بتصنيع أسلحة خطيرة، ولكن من يدخل
الجامعة الإسلامية يعرف جيداً أن هذا القسم بمثابة السوق المفتوح من كثرة
الذين يستخدمونه، فهذا المختبر ليس مفتوحاً للطلبة والأكاديميين في
الجامعة فقط، بل تستخدمه وتلجأ إليه مؤسسات عديدة في قطاع غزة ومن جنسيات
مختلفة، مما يجعله من أقل الأقسام خصوصية في الجامعة كلها .. ورغم ذلك قام
الصهاينة بقصفه وتدميره بناء على تلك المعلومة التي قدمها عملاء أغبياء ..
انتظر الصهاينة المرحلة الثانية من الخطة وتنفيذ الدور الملقى على العملاء
.. ولكن الأحداث لم تسر كما خُطط لها.. ليس بسبب يقظة جهاز الأمن القوي
والأكثر سرية داخل حركة حماس، ولكن بسبب التخبط الذي وقع فيه العملاء
والتواكل بمن يبدأ أولاً لحظة التنفيذ، والذي لم يُسفر إلا عن محاولات
قليلة تم سحقها في مهدها وفرض نظام أمني مشدد في قطاع غزة، أدى لانخفاض
نسبة الجرائم المعتادة التي تحدث في الأيام العادية .. وبسبب هذا الخذلان
حدث خرقاً كبيرا في الخطة العسكرية التي أُعدت لسحق حماس.. فالناس في غزة
لم ينتفضوا في وجه حماس كما كان متوقعا رغم الحصار وتدمير المقرات الأمنية
ومعسكرات التدريب التابعة لجهازها العسكري، كما أن قطعان العملاء اختبئوا
في جحورهم واكتفوا بالشماتة والتشفي كلما سقط شهداء من رجال المقاومة ..
وفي اتجاه معاكس تماماً لما كان متوقعا، دبت صحوة كبيرة في العديد من
أنصار حركة فتح بعد أن زالت الغشاوة وبدت مواقف قيادتهم السياسية التآمرية
أكثر وضوحاً .. أما عن بعض الناس العاديين والذين كانوا ينتقدون حكومة
حركة حماس، فقد أجمع معظمهم على ضرورة الالتفاف حول الحركة وحماية ظهرها
من أي طعنة غادرة، بل وقدم العديد منهم دعماً لوجستياً لأفراد المقاومة
أثناء تصديهم للهجوم ..
لم يتحقق شيئاً من الأهداف المعلنة قبل بدء الحرب على غزة .. بل أنه لا
توجد أية بوادر تُذكر بأن الصهاينة يمكنهم تحقيق هدف واحد من تلك الأهداف
.. وهذا يعني أن الهزيمة أصبحت مؤكدة وحتمية في عيون المراقبين الصهاينة
.. فالجيش الصهيوني تحرك عسكريا تجاه غزة من الجو والبر والبحر من أجل سحق
حركة حماس! وهو الأمر الذي سيوقف إطلاق الصواريخ على اسديروت وبعض
المستوطنات الملاصقة لحدود القطاع .. لكن الذي حدث هو أن الهجوم العسكري
تسبب في زيادة مدى الصواريخ لتصل إلى عسقلان واسدود وبئر السبع ويبنا ..
هذا عن المعلن والذي يعترف به الصهاينة، أما الغير معلن فهو وصول الصواريخ
لمواقع عسكرية ومنشئات حيوية لم يستطع العدو الصهيوني الاعتراف بها،
لاعتبارات سرية وأخرى تتعلق بهيبة الكيان وقوة مؤسساته الأمنية والعسكرية!
إن كان الأمر تطور على هذا النحو الخطير بسبب الهجوم على غزة، فهذا يعني
أن الهجوم جلب كارثة على المجتمع الصهيوني ولم يحقق أية أهداف، فبدلا من
أن يكون بضعة آلاف من المجتمع الصهيوني في الملاجئ، بدأ الأمر بدخول مليون
صهيوني في الملاجئ! .. بل أن هذه الحرب كشفت بوضوح الإخفاق والفشل المزري
الذي منيت به أجهزة المخابرات الصهيونية التي كانت تدفع باتجاه الهجوم على
غزة من أجل منع زيادة القوة الصاروخية لحركة حماس، دون أن تقدم وثيقة
واحدة مدعمة بأدلة، تُفيد بأن الحركة امتلكت بالفعل لصواريخ أبعد مدى من
الذي تم استخدامه في مرحلة ما قبل الحرب على غزة.. هذا يعني أن الصهاينة
يخوضون معركة بلا أية معلومات استخبارية دقيقة، ومن أجل تعويض هذا النقص
الخطير، لجأ الصهاينة لمحاولة غبية تمثلت باتصالات عشوائية على أرقام
هواتف تخص سكان القطاع تطلب منهم تزويدهم بمعلومات عن مطلقي الصواريخ أو
أماكن إطلاقها، ثم قامت لاحقاً بإمطار سماء غزة بمنشورات تطلب فيها بشكل
مباشر من سكان قطاع غزة بتزويدهم بمعلومات من خلال الاتصال برقم معين أو
بريد الكتروني ..
كل هذا لا يعني أن العدو استشعر هزيمته فحسب، بل هو يتخبط وغارق في وحلها
حتى أذنه، ولكي يؤخر إعلان هذه الهزيمة حرك قواته البرية تجاه غزة من أجل
تقسيمها إلى أربعة أقسام ، وهذا سهل للغاية من الناحية العسكرية ولما
يمتلكه العدو من معدات، فالمناطق التي توغل فيها كلها مكشوفة لسلاح
الطيران، والغرض من هذا التوغل هو استدراج المقاومة نحو هذه المناطق
المكشوفة لتكون صيدا سهلا للطائرات التي لا تغادر سماء القطاع على مدار
الساعة، ولكن المقاومة حذرة لخبرتها بهذا النوع من التوغلات، وتدرك أيضاً
أن الآلة العسكرية ضخمة لدرجة لا تمكنها من الدخول إلى التجمعات السكانية،
وحتى لو تجرأت على هذه الفعلة فستصبح كالفيل الذي دخل غابة كثيفة مليئة
بالنمور .. وأي نمور! .. نمور متلهفة ومتحمسة للانقضاض ..
المقاومة في هذه الحالة ليست بحاجة لمعلومات استخبارية لاكتشاف خطط العدو،
فالآلة العسكرية الصهيونية ليس بوسعها إبداع شيء جديد وغير عادي أثناء
عملية الدخول للتجمعات السكانية .. أما بالنسبة للمقاومة فالإبداع مفتوح
على مصراعيه لتنفيذ خطط عسكرية تدربوا عليها سابقاً، كما أن الإمكانيات
الجديدة التي توفرت للمقاومة ستسهل عليها مهامها وستتيح لها فرص الإثخان
في العدو الذي سيفاجئ بسيل من المفاجئات سيكون لها مردود سياسي وورقة
رابحة ستلعب بها المقاومة بعد إعلان العدو لهزيمته وانسحابه من غزة وهذا
أمر مؤكد بإذن الله تعالى ..
بالنسبة لقطاع غزة، ليس لديه مشكلة في كثرة أعداد الشهداء ولا سيل النار
الذي ينهمر على مبانيه على الرغم مما يسببه ذلك من آلام ومعاناة، فكل هذا
تعود عليه أهل غزة وبإمكان الأرحام والمال تعويضه، أما الذي لا يمكن أن
يعوض، هو فقدان الكرامة والإباء والشموخ الغزاوي المعهود، والأهم من كل
هذا، عدم الالتحاق بالطائفة التي تحدث عنها الرسول الكريم صلى عليه وسلم،
فأهل غزة مصرين أن يكونوا على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من
خالفهم ولا من خذلهم، وسيبقون كذلك حتى يأتي أمر الله تعالى .. أما عن
العدو، فسيتخبط في هزيمته إلى حين، ثم يعلن عنها بخجل بعد أن يستنزف كل
وسائل التأجيل، وسيستنزف المزيد من جنوده بين قتيل وأسير وجريح مع كل ساعة
تمر عليه في غزة، ليس لأن المجاهدين يتسابقون في رميه، ولكن لأن الله جل
علاه يرمي عنهم