خالد
مفلح قبل ما يقارب المائتي عام شيد هذا البناء، المعروف بقصر القاسم، يقع
في قرية وادعة من إحدى قرى فلسطين الصغيرة إلى الغرب من مدينة نابلس.
للحظة كاد هذا البناء الرائع أن يتحول إلى ركام بعد أن أصبح آيلا للسقوط،.
تعود جذوره إلى العصر العثماني. سابقا وحيثما ذكر هذا المكان ذكرت الكثير
من المخلوقات الغريبة التي كانت تتخذ من زواياه المختلفة مكانا جيدا
للعيش، وكاد القصر لفترة ما أن يتحول إلى مكب للنفايات للمقيمين بجواره
الذين لا حولا ولا قوة لهم في إعادة ترميمه لسوء الحال. هذا الموقع الأثري
الذي يدل على عراقة شعبنا الفلسطيني أعادت له جامعة النجاح الوطنية هيبته
واعتباره ودبت فيه روح الحياة من جديد ليتحول إلى قصر ترحل إليه عيون
الزائرين للجامعة.
كانت
زيارتنا الأولى لهذا المكان حين زارنا في الجامعة وفد من الخبراء
الإيطاليين الذي كانوا يقومون بجولة إلى الضفة الغربية بدأ وها بمدينة
التاريخ أريحا واختتموها بقصر القاسم إلى الغرب من الحرم الجامعي الجديد
التابع للجامعة، وكان ثلة من الخبراء والأكاديميين في جامعة النجاح
الوطنية يرافقون الوفد في هذه الزيارة وكانت هذه الزيارة محطتنا الثانية
بعد الاجتماع في مكتب رئيس الجامعة.
نحو
ثلاثين خبيرا من الجانبين الفلسطيني والإيطالي تواجدوا بداخل القاسم وكان
الإيطاليون يسترقون النظرات بكل جزء من أجزائه وما انفكوا حتى زاروا
وفتشوا كل زاوية فيه وكانهم يقولون، يا لجمال المنظر ودقة الترميم الذي
أذهل عقولهم. لقد عاش فريق الجامعة فترة من الزمن وهو يضع الخطط التي
سيسير عليها في عملية الترميم، بناءه وجمال تصميه أذهل من دخله للمرة
الأولى، فتشرفنا بزيارته وكان معنا في تلك الزيارة القصيرة التي لم تشبع
رغبتي أنا شخصيا عدد من الزملاء الذين كان لهم حظا بزيارته قبل هذه المرة،
رافقونا بزيارة كل زاوية منه وكانوا بمثابة الدليل السياحي لنا، كنا ندخل
بمكان ونخرج من آخر وما زلنا في مساحة القصر الشاسعة.
وتعود
الخلفية التاريخية للموقع انه يقع في قرية " بيت وزن" قديمة التراث أيضا
على امتداد الطريق الواصل بين مدينة نابلس ومدينة قلقيلية. تعتبر القرية
الواقعة على قمة الجبل واحدة من أهم القرى في المنطقة.
ويعتبر
قصر القاسم المبنى الأكثر أهمية في القرية، وقد بني من قبل الشيخ قاسم
الأحمد في سنة 1820، ولهذا فهو يعرف إما بقصر "القاسم" أو قصر "الشيخ".
كما
يعتبر القصر القاسم فريداً في عناصره المعمارية المتميزة. فقد بني من
الحجارة ويحتوي على أقواس مقببة عرضية وبعض الزخارف والنقوش، ويتكون من
أربعة طوابق تحيط فناء (ساحة) مبلطة. في الطابق الأرضي يوجد غرف الضيوف،
غرف الحرس. ويتكون الطابق الأول كان فيه من غرفة مفتوحة (رواق أو لوان)
وسبع غرف عامة تختص بالحكومة المحلية.
أما
الطابق الثاني فكان في الغالب خاصاً يحتوي غرفة صيفية مفتوحة وتسع غرف
للعائلة. في الجزء الشرقي من القصر هناك حديقة زرعت بأشجار التين والليمون
واللوز، والقصر يشكل أسلوب معماري متميز للعمارة التقليدية الفلسطينية.
وهذا يمكن معرفته من خلال التكوين العمودي للكتل، الشكل وحجم النوافذ،
حجارة الجدران والخشب المزخرف للأبواب. النظام الإنشائي للقصر يرتكز على
القباب العرضية المحمولة بواسطة خشب مرافئ السفن الكبيرة على الواجهة
المدعمة بالجدران الواصلة. وقد بني القصر من الحجارة الرملية وكلس الرمل.
وكما قيل فإن القصر قد بني باستخدام زيت الزيتون بدلاً من الماء. قبل
الترميم فان حالة القصر في كانت تتدهور بشكل جزئي، وكان هناك العديد من
الشقوق في جدرانه، وبعض الأجزاء قد انهارت والأبواب والنوافذ تكسرت.
وكانت جامعة النجاح الوطنية قد هدفت من خلال ترميم قصر القاسم إلى
إعادة تأهيل القصر كمركز لدراسات وأبحاث الحفاظ على التراث الثقافي والبدء
بجهود لدعم القرية من خلال زيادة فرص العمل للسكان المحليين وتحسين ظروفهم
المعيشية. حيث يشكل القصر نقطة نشاط وحركة من خلال جذب المستثمرين لهذه
المنطقة، والذي سيقود بدوره إلى تحسين الأوضاع المعيشية للناس ليس فقط على
المستوى الاقتصادي وإنما أيضا على المستوى الاجتماعي والثقافي، كما تهدف
الجامعة تسهيل تقديم أنشطة تدريبية في تقنيات الحفاظ ومهارات الإشراف، مما
يؤدي كذلك إلى زيادة فرصة العمل وتخفيض مباشر في مستوى الفقر، وتشجيع
مشاركة المجتمع المحلي من خلال مراحل المشروع المتعددة، بالإضافة إلى
المساعدة في تطوير قدرات الموارد البشرية، والبدء بجهود تهدف إلى الحفاظ
الحضري على النسيج التقليدي الموجود حول القصر.
وما كان لجامعة النجاح الوطنية أن تقدم على هذه الخطوة لولا
تدهور القصر بشكل جزئي نتيجة لزلازل ضربت المنطقة عدة مرات وما تبعها من
إهمال لاحقاً. فرات أن يتم الترميم باستخدام أفضل وأحدث تقنيات الحفاظ
والترميم. وهناك توجه بأن القصر سيمثل نموذجاً لتبني هذه التقنيات في
الحفاظ على البلدة القديمة لمدينة نابلس والمباني المشابهة في فلسطين.
سيكون هناك حد أدنى من التدخل بإضافة مباني حيث ستقتصر الإضافة على عناصر
أساسية تسمح بإعادة الاستعمال. إن الأولوية المتجاوزة هي الرفاهية وحماية
القصر.
والمفهوم
الرئيسي للمشروع هو إعادة القصر مرة أخرى لوضعه الأصلي. وهذا يعني إعادة
بناء الأجزاء الناقصة التي هي عبارة عن فراغان مقببان في المستوى العلوي.
وسوف يحتوي في الطابق الأرضي على منطقة عرض، معلومات، استقبال وكافتيريا
صغيرة. في الطابق الأول سيكون هناك المكتبة وبعض غرف الموظفين. وفي الطابق
العلوي سيكون هناك غرفة نقاش مع غرف محاضرات والجزء المتبقي من المساحة
غرف للموظفين.
هكذا اعادت جامعة النجاح الوطنية الحياة إلى مبناً كان في عداد الأموات، وأصبح اليوم قصة تحكى ومزارا تؤمه الوفود من كل مكان.