"نيكول" كشف الفيلم عن صدمة المعرفة لدى المواطن الأمريكي، واتضح بعمق ضعف
أو انعدام اطلاع الشعب الأمريكي على ما يجري في فلسطين والعراق مثلا؟
-
الفيلم هو انعكاس للمجتمع الذي أعيش فيه، وانتقاد ذاتي للمجتمع الأمريكي
لعدم معرفتهم بما يدور حولهم في العالم هذا هدفي ورغبت أن أوصله بطريقة
كوميدية.
* سؤال يبدو استفزازيا لكنه ضروري، هل الأمريكان لهذه الدرجة أغبياء وجهلاء على الرغم من كم الكوميديا المميزة التي تخللت ذلك؟
-
الفيلم في البداية ذو طابع كوميدي، ثم إنه مبني على قصة حقيقية، وعادة حتى
تصنع فيلما مضحكا عليك أن تعتمد على الواقع، فلا شيء يضحك أكثر من الحقيقة
كون الأمريكان ظهروا في الفيلم جهلة وغير واعين لما يدور حولهم في العالم،
فهم أعطوني المادة اللازمة للفيلم وأنا قدمتها.
* كيف تتوقعين استقبال الجمهور الأمريكي للفيلم؟
-
لا أعرف انطباع الجمهور الأمريكي، فالفيلم لم يقدم سوى في المهرجانات التي
لها علاقة بالعرب والفلسطينيين، ثم إن الفيلم له جمهور خاص وهو ليس نفس
الجمهور الذي يشاهد أفلام هوليوود، على الأغلب دور العرض ذات الطابع الفني
هي التي ستقبل عرضه لكن كل المهرجانات الأمريكية رفضت الفيلم.
رفض سياسي
* احكي لي عن تجربتكم مع "مهرجان السينما العربية" في بوسطن الذي علمت أنه رفض قبول الفيلم على الرغم من أنه طلبه منكم بداية الأمر؟
-
هم عادة لا يفصحون عن السبب الحقيقي لرفض فيلم ما، وعن نفسي أعزوها لأمور
فنية أكثر منها معارضة لسياسة الفيلم، وهذه الأسباب مجرد تخمينات لا أحد
يجزم بأحد السببين.
على الجانب الآخر شارك الفيلم في مهرجانين هما مهرجان الأفلام الفلسطينية في بوسطن ومهرجان الأفلام العربية في واشنطن دي سي.
* بشار يتابع الحديث:
- مهرجان
السينما العربية في بوسطن يمارس حالة خداع، أنا مقتنع أن فيلمي بسيط من
ناحية الإمكانيات الفنية لكن مع هذا أرى أن الرفض كان لأسباب سياسية لأن
مسئولي المهرجان هم من طلبوا منا المشاركة بالفيلم في المهرجان قبل عام من
تقدمنا إليه وفوجئنا برسالة أن الفيلم ليس له مجال للمشاركة في دورة هذا
العام.
ما
يدعم وجهة نظري تلك هو أن نصف أعضاء لجنة التحكيم أجانب و3 منهم يهود.. هل
تتوقع منهم أن يقبلوا الفيلم؟ فالموضوع يدور عن فلسطين، ويقدم الحقيقة كما
هي، وبذا لن يكون من المنطقي قبوله بهذه السهولة. هم لا يعلمون أنهم
يفرضون علينا وجهة نظرهم السياسية من خلال رفضهم لوجهة نظرنا السياسية،
وهنا مكمن الخطر.
سر الزغزغلاند
* ما سر اسم الفيلم، فكلمة "زغزغلاند" تبدو جديدة كليا حتى على أذن المستمع العربي وليس الأمريكي فقط؟
-
أنا أصلا من "البلدة القديمة" في القدس، وتحديدا من حارة شعبية، ونحن
نتداول بها كلمات لا أحد يستخدمها إلا أهل المنطقة، وهي لا تعني شيئا
محددا لكن تتميز بأن جرسها جميل على الأذن عند استخدامها، وهنا استحضرتها
في الفترة التي كنت أهرب فيها من التصريح بهويتي تحديدا بعد أحداث 11
سبتمبر في ظل صعوبة الوضع بالنسبة للعرب والمسلمين مخافة الوقوع في
المشاكل مع زبائن كنت أقلهم بالتاكسي قد يكونون متعاطفين مع إسرائيل، فكنت
أقول لهم إنني من دولة "زغزغلاند".
هنا
كنت أستغل عدم معرفتهم بالجغرافيا العالمية، كنت أقول أحيانا إن
"زغزغلاند" في دولة تقع بين الصين وإسبانيا، أو إنها جزيرة تقع في جنوب
أمريكا وكانوا يهزون رؤوسهم دلالة التسليم.
لكن
الأهم هنا أنها تعني لي الحلم، أي المكان المثالي بعيد المنال والذي نطمح
له نحن في القدس، هي ليست شيئا محددا تماما لكنها مع ذلك ليست لا شيء، هي
شيء من أحلامنا ورغباتنا وأمانينا.
* في الفيلم، أحيانا كنت تقول إنك من فلسطين وأحيانا تقول إنك من "زغزغلاند" لماذا؟
-
في البداية كنت أقول إنني من فلسطين فكنت أقع في مشاكل على خلفية مواقف
سياسية، وأضطر أن أشرح رأيي في المقاومة والحرب على الإرهاب، المشكلة أن
الأمريكيين دائما يريدون معلومات في أقل وقت ممكن، وعندما تعطيه معلومات
صحيحة أو رأيا مخالفا لما يحمله ينزعج جدا، السرعة ومخالفة الموقف شيئان
ضدان، غالبا يعتمد الأمريكي على الميديا التي تقدم له الراحة والتسلية ولا
تحفزه على التفكير وإعمال العقل، كما أن الصورة مصدر أساسي لاستقاء
معلوماته، فإذا تعرض لمادة تستحق المتابعة تجعله يشعر بالذنب، وهذا يعطيه
وظيفة "زيادة عليه"!! هو يريد أن يظل يشعر بالراحة ويطلب ذلك منك ويرفض أي
شيء غير ذلك.
* نهاية الفيلم كانت بعودتك إلى وطنك القدس، وكأنك تقول أن الحل في العودة للبلد وليس الغرب أو الهجرة، هل هذه رسالة الفيلم؟
-
أغلب الشبان العرب عندهم فكرة "الزغزلاند" أي وهم البلد المثالي، يذهبون
إلى دول العالم المختلفة حتى يحصلوا على حياة أفضل، في الحقيقة لا توجد
حياة أفضل في الغرب، الفرص ضئيلة وصعبة جدا.
هنا
يجدون أنفسهم قد وقعوا في فخ خطير، فهم غير قادرين على العودة لبلادهم دون
نجاحات يحققونها، ولا هم قادرين على الاستمرار، قلائل هم الجريئون الذين
يقولون إنهم فشلوا وبلادي أولى بي.
نحن
نحكي في الفيلم أن "بشار" فرضت عليه ظروف اضطرته أن يرجع إلى بلاده، لكن
هو راضٍ واكتشف أن العودة ليست سيئة إلى هذا الحد، خصوصا في فلسطين،
فبالمقارنة مع الغرب يمكن احتمال الصعاب كونك بين أهلك وناسك.
بمعنى النهاية لم تكن متفائلة تماما ولم تكن حزينة، إنها نهاية منطقية ومريحة، متوسطة يمكن أن نصفها.
تعاطف الجمهور
*
في الفيلم عندما ركب معك الشاب اللبناني وكان بحاجة إلى أن توصله إلى
منزله دون أن يدفع لك مالا، على الرغم من أنك في أمس الحاجة للمال، أنت في
صراع حقيقي، لماذا لم تقله بالرغم من أنه عربي حيث قال لك: أنت عربي وأولى
بك أن تساعدني؟
-
نفس السؤال طرح علي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام الماضي،
وعندما حاولت الإجابة أجاب الممثل المصري "خالد نبوي" نيابة عني قائلا:
"لو أن بشار ساعد العربي اللبناني في هذا الوضع الحرج الذي يمر فيه ما ظهر
المشهد بمنطقية، بل كان سيظهر أنه مثالي (زيادة عن اللزوم)، تصرفي داخل
الفيلم كان منطقيا في ظل حاجتي للمال، لكي تخلق شخصية حقيقية لا بد أن
تجاري الواقع، بشار في الفيلم إنسان عادي، وهو أحيانا عنصري، مثلا رأينا
أنه شتم الأرمني ونعته بقوميته.
وعلى الرغم من تلك الصفات فإن الطابع الجيد للشخصية جذبت تعاطف الجمهور، لو وضعته مثاليا فلن يصدقه المشاهد.
وقصة
اللبناني حصلت حقا، عندما دخل التاكسي لم يكن صريح معي، جلس بالتاكسي وقال
لي اذهب، وبعد أميال عندما تحدثت عن مشكلة حدثت معي عن ركاب هربوا دون أن
يدفعوا الأجرة طلب مني الاستماع لقصته، هو لم يكن صادقا معي وأنا تصرفت في
ضوء ذلك، كما أنني منحته مبلغا من المال كي يستقل مركبة عمومية في ضوء
حاجتي الماسة لجمع المال.
*
طبعا الفيلم مليء بالقصص المميزة والمثيرة والمحفزة على التفكير والضحك
معا وهي كلها تكشف حقائق مثيرة، هناك موقف أرجعت فيها للأكاديمية
الأمريكية أموالها بعد غضبك منها رغم حاجتك للمال والبقشيش المرتفع الذي
منحتك إياه، هل هذه قصة حقيقية؟
-
نعم، قصة حقيقية، كنت في المطار وأخذت أستاذة جامعة تدرس الفلسفة اليهودية
في جامعة واشنطن دي سي، أثناء القيادة اعتقدت الأكاديمية أني إسرائيلي،
كانت تتحدث كثيرا ولا تعطيني مجالا للرد عليها، وبين القيادة والتركيز
معها كان الحوار يدور من طرف واحد تسأل السؤال وتجيب عنه، سألتني إذا كنت
إسرائيلي؟ وردت أنها عرفت ذلك من البداية، حاولت مجاراتها لمعرفة إلى أين
سيقودنا الحديث كنوع من اللعب، وعند سؤالها من أي مدينة؟ قلت: لها من
القدس. وبدأت تحكي عن "أولمرت" وزيارته لواشنطن دي سي، والمظاهرة الكبيرة
التي شارك فيها 100 ألف إسرائيلي ومناصر لإسرائيل، وأشادت بالكلمة التي
ألقاها، وسألتني لماذا لم آتِ؟ وبدأت تحكي عن الديانة اليهودية والسياسة
وشارون وسألتني عن رأيي بشارون؟ جاوبتها أنه أحسن سياسي عرفته إسرائيل،
وزيادة في الاستخفاف بها قلت لها كان عليه أن يقتل كل الفلسطينيين، فردت
بالإيجاب والموافقة، لكنها سألتني عن الأطفال؟ قلت لها حتى الأطفال
الفلسطينيين يجب أن يقتلوا، وعندما حاولت أن تقنعني أن الأطفال يجب
استبعادهم حتى لا نهيج المجتمع الدولي أجبتها بأنها ليست مشكلة كبيرة فكم
قتلنا - كإسرائيليين - من أطفال ولم يفعل المجتمع الدولي شيئا، فوافقت،
وعندما نزلت من السيارة أعطتني بقشيشا كبيرا وسألتني ما اسمي فأجبتها بغضب
"محمود عبد الله" ورددت لها البقشيش.
قصدت من ذلك أن أعلمها درسا وأكشف حقيقتها وأنها خالية من أي إنسانية، واكشف "عهر" منطقها وإجرامها.
أما
"نيكول" فوجدت القصة مهمة جدا ليعرفها الناس حتى الأمريكان بالولايات
المتحدة، لأنهم يخافون عندما يقترب النقد من إسرائيل، فمساحة نقد أمريكا
أو الإدارة الأمريكية أكثر اتساعا من نقد إسرائيل واليهود على وجه الخصوص.
يجب
أن لا يكون أحد فوق النقد أو الحقيقة، أما الجالية اليهودية الأمريكية فهي
متعصبة أكثر من الإسرائيليين، وأعضاؤها عنصريون، كما أن معظم الأفكار
الإسرائيلية المتعصبة قادمة من أمريكا، مثلا "ليفنجر" الذي قام بمذبحة
الحرم الإبراهيمي هو يهودي أمريكي.